بطاح يكتب: إسرائيل بين النجاحات 'التكتيكية' والإخفاقات 'الاستراتيجية'!
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/13 الساعة 01:09
لا يملك أيّ محلّل موضوعي إلا أن يعترف بأن إسرائيل حققت في إطار ردها على أحداث السابع من أكتوبر عدداً من النجاحات "التكتيكية"، ولكنها بالمقابل لم تحقق أياً من أهدافها "الاستراتيجية"، ولعلّ اهم النجاحات "التكتيكية" التي حققتها إسرائيل هي:
أولاً: نجاحها في احتواء قوة "حماس" في قطاع غزة وتقليص القدرات العسكرية التي تمتلكها وهذا واضح من خلال المقارنة بين "زخم" القوة التي بدأت بها حماس معركة "طوفان الاقصى"، وقوتها الحالية التي تقتصر على إطلاق أعداد محددة من الصواريخ، ونصب الكمائن، وتصيد الجنود الإسرائيليين هنا وهناك.
ثانياً: نجاحها في اغتيال عدد من القادة المهمين، السياسيين والعسكريين في حركة حماس، وحزب الله، حيث تمكنت من اغتيال "صالح العاروري" نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ثم "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي للحركة ثم توجّت أعمالها هذه باغتيال السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بكل ما له من رمزية في المعسكر المعادي لها، وقد رافق ذلك اغتيال عدد غير قليل من القادة العسكريين لحزب الله وبالذات قادة "قوة الرضوان" التي تُعتبر عسكرياً رأس الحربة في قوات حزب الله.
ثالثاً: نجاحها في ضرب مدينة "الحديدة" اليمنية على بعد (2000) كيلو متر بكل ما يعنيه ذلك من إضرار بالاقتصاد اليمني وبخاصة أن الحديدة تحتوي على الميناء ومصافي البترول وغيرها، وبكل ما يعنيه ذلك أيضاً من التأكيد على أن إسرائيل تستطيع أن تطال بسلاحها الجوي الحديث أيّ مكان في الشرق الأوسط كما يتبجّح نتنياهو.
رابعاً: نجاحها في خلق أزمة كبيرة داخل لبنان من خلال دفع سكان جنوب لبنان والضاحية الجنوبية من بيروت إلى مغادرة مساكنهم لكي يصبحوا نازحين يعيشون في "مراكز الإيواء"، الأمر الذي يُثقل كاهل الدولة اللبنانية التي تعاني أصلاً ويضطرها إلى مواجهة ظروف طارئة صعبة، والواقع أن إسرائيل تهدف من وراء سياسة "تفريغ" المناطق اللبنانية و"تحريك" الكتل السكانية إلى خلق هوة بين المقاومة اللبنانية وحاضنتها الشعبية بل وربما الأكثر من ذلك أيّ خلق "فتنة" داخل المجتمع اللبناني وطوائفه المتعددة التي يؤيد بعضها نهج المقاومة بينما يعارضها بعضها الآخر كما هو معروف.
خامساً: نجاحها في إيذاء إيران كدولة مركزية تقود محور ما يسمى "بالمقاومة والممانعة" من خلال تنفيذ عدد من الاغتيالات على أراضيها (وبالذات اغتيال إسماعيل هنية في عاصمتها وبعد مقابلته للمرشد الأعلى والرئيس الإيرانيين)، والأهم من ذلك محاولة "قصقصة" أذرُعها (أو حلفائها إن شئت) في المنطقة مثل حماس وحزب الله وبالذات هذا الأخير الذي يُعد الأهم في سياق مشروع النفوذ الإيراني الرامي إلى تكريس إيران كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.
ولكن… وبالرغم من هذه النجاحات "التكتيكية" فإن إسرائيل سجلت إخفاقات "استراتيجية" واضحة ولعلّ أبرزها:
أولاً: فشلها في استئصال حماس من قطاع غزة، كما أعلنت في أهداف الحرب (القضاء على حماس، إعادة "الرهائن"، وضمان عدم تشكيل قطاع غزة خطراً مستقبلياً على إسرائيل)، ولعلّ هذا الفشل الاستراتيجي يتضح أكثر من خلال عدم إيجاد بديل لحماس في اليوم التالي للحرب، حيث من الواضح تماماً أنه لا يوجد أمام إسرائيل أية بدائل حقيقية لحكم قطاع غزة بعد حماس وبخاصة أنها تعلن أنها لا تريد احتلال قطاع غزة بالنظر لما يرتبه ذلك عليها من أعباء ومسؤوليات.
ثانياً: فشلها في القضاء على حزب الله كقوة مقاومة مُعتبرة في جنوب لبنان استطاعت حتى الآن وبرغم اغتيال أمينها العام واغتيال عدد غير قليل من قادتها أن تقف في وجه إسرائيل وأن تحول دون تقدمها على الجبهة اللبنانية، وليس بعيداً أن تفشل إسرائيل في أهدافها البعيدة من سياسة "التفريغ" و"التحريك" لفصل الحزب عن حاضنته الاجتماعية، وخلق فتنة بين المواطنين اللبنانيين، وذلك في ضوء ما يرونه من همجية إسرائيلية موصوفة في هذا الحرب التدميرية.
ثالثاً: فشلها في إخماد روح المقاومة في الضفة الغربية برغم قتلها لأكثر من (600) واعتقال أكثر من (10,000) فلسطيني وبرغم جموح المستوطنين واعتداءاتهم الصارخة حيث ما زالت الضفة الغربية مِرجَلاً يغلي وقد ينفجر في أيّ وقت، والدليل على ذلك عملية يافا الأخيرة وما سبقها من عمليات، بل وعملية بئر السبع التي قام بها أحد عرب الداخل (داخل الخط الأخضر) والتي تمخضت عن قتل مجندة إسرائيلية، وجرح أكثر من 11 إسرائيلياً.
رابعاً: فشلها في تحييد جبهات المساندة العربية في اليمن، والعراق. صحيح أن هذه الجبهات قد لا تلحق بإسرائيل أضراراً كبيرة، ولكنها بالتأكيد مهمة وبالذات جبهة المساندة اليمنية التي تُطور باستمرار من إمكانياتها وقد تتعاظم هذه الإمكانيات وعندئذ يصبح خطرها على إسرائيل كبيراً حقاً.
خامساً: فشلها في التعامل المؤثر مع إيران. صحيح أنها اغتالت على أراضيها عدداً من القادة ومن العلماء، وصحيح أنها آذت حلفاءها (أو أذرُعها إن شئت) في المنطقة، ولكن الحقيقة تظل قائمة بالنسبة لإسرائيل وهي أن إيران دولة إقليمية كبيرة ومؤثرة وهي قد تصبح دولة نووية ذات يوم وتشكل عليها خطراً وجودياً، أو على الأقل تملك سلاح ردع موازياً لما تملكه إسرائيل، وعندها لن يستمر حلم إسرائيل بتسيّد منطقة الشرق الاوسط.
وختاماً فإن إسرائيل حققت بالفعل بعض النجاحات "التكتيكية"، ولكنها في الحقيقة لم تنجز أيّ نجاح "استراتيجي" ذي قيمة. وعلى أيّ حال فالمعركة ما زالت دائرة ولكن تحقيق إسرائيل أهدافها "الاستراتيجية" غير ممكن في الواقع لأسباب موضوعية بحتة.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/13 الساعة 01:09