العتوم يكتب: عن أي سلام تتحدث أمريكا؟

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/11 الساعة 20:53
لمن لا يعرف أمريكا – الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تمثل توجه أحادية القطب السلبي، وحلف (الناتو) المعادي ليس لروسيا الاتحادية العظمى الناهضة لوحدها، ولكن لكل شرق وجنوب العالم. وتاريخ أمريكا الرمادي معروف منذ قصفها لليابان بالسلاح النووي عام 1945 ، وفي حرب فيتنام بين عامي 1955 و1975، وفي كوسوفو عام 1998، وفي العراق عام 2003 ، وفي سوريا 2011 وحتى الأن ، وبين أوكرانيا (كييف) وروسيا منذ عام 2022 ، وفي غزة منذ عام 2023 وسابقا، ومع لبنان هذا العام 2024 وقبل ذلك.
والان، وليس الان فقط، ماذا تريد أمريكا من المملكة العربية السعودية الشقيقة بدفعها للسلام مع إسرائيل في زمن حرب الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين في (غزة)، والحرب على الضفة الغربية، وعلى لبنان – الجنوب والعاصمة بيروت، والضاحية الجنوبية ، وعلى سوريا – الشمال والعاصمة دمشق ، وعلى اليمن - الحديدة، وعلى العراق (حزب الله)؟ فلم تعد أمريكا بكامل ولاياتها الخمسين اضافة الى واشنطن العاصمة تشبه نفسها، والأصل أن تضيف إسرائيل علنا الى ولاياتها لأنها تتحدث بإسمها في كل المحافل الدولية، وتمارس الحروب وسط المشهد الدولي بنفس الاتجاه.
أمريكا إسرائيلية الطابع والهوى، ومؤسسة (الأيباك) اليهودية الصهيونية تعشعش في حضنها، وهدفهما واحد هو القضاء على إسم فلسطين وعلى الدولة الفلسطينية المنشودة وعلى عاصمتها القدس، وإبقاء الأراضي العربية محتلة ورهينة بيدها وإسرائيل لفرض سلام ناقص ومشروط ومهين على العرب ، وبهدف التغول والهيمنة والسيطرة وممارسة الحرب الباردة الموجهة ضد كبريات دول العالم في شرقه وجنوبه. والسعودية قطب عربي هام يمثل منطقة الخليج، تماما كما يمثل الأردن وسوريا والعراق المنطقة الشامية، وتمثل مصر شمال ووسط أفريقيا تحت المظلة العربية، وأكثر من ذلك وعاصمتها القاهرة زعامة العرب.
لقد بادرت السعودية عام 2002 في مؤتمر قمة العرب في بيروت إلى دعوة إسرائيل لتطبيع كامل مقابل إنسحابها الكامل من الأراضي العربية لعام 1967 ، ورفض طلبها من قبل إسرائيل بعلم أمريكا المتنمرة على دول العالم. فهل تقبل أمريكا بإعادة ملف المبادرة السعودية تلك الى فوق الطاولة؟ والسعودية المملكة التي يعرفها العرب تشترط في سلامها المقبل مع إسرائيل اقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، ومغادرة إسرائيل للأراضي العربية المحتلة كافة التي احتلتها عام 1967. وحدود إسرائيل حسب أوراق الأمم المتحدة لعام 1947 هي داخل عام 1948 . والأمم المتحدة ذاتها تدين إحتلال إسرائيل للأراضي العربية عام 1967 . والآن لم يعد للأمم المتحدة هيبة ولا شخصية لدرجة أعلنت فيها إسرائيل اعتبار أمينها العام أنطونيو غوتريس غير مرغوب به لمواقفه الشجاعة ضد حرب الإبادة، ولتفهمه حقوق العرب وايران.
لقد تعبت منطقتنا العربية والشرق أوسطية وشعوبها من أمريكا بسبب انحيازها للباطل رغم مجاملة النظام السياسي العربي لها. والاعتقاد السياسي بأن أمريكا (بتمون على إسرائيل) وتدير سياسة المنطقة عبر الكونغرس والبنتاغون وسفاراتها مجرد هراء وسراب، فغرفة قيادة أمريكا في تل أبيب وفي (الأيباك) ، وتنسيق أمني دائم، وهي مخترقة صهيونيا . وقطبها الأحادي أصبح من مخلفات القرن الماضي وهو مرشح للإندثار لقيادته أزمات وحروب العالم، ولسطوته على اقتصادات العالم خاصة قوت الشعوب الفقيرة المظلومة . وفي زمننا هذا الذي تدعو فيه أمريكا السعودية لسلام مع إسرائيل، لا تحترم إسرائيل سلامها مع الدول العربية الخمس وفي مقدمتها مع مصر والأردن ، وتهددهما بالتهجير القسري للفلسطينيين بهدف ابعادهم عن وطنهم الأصيل فلسطين لعام 1967.
تتحرش أمريكا بإيران عبر اعلان رغبتها بإنتاج قنبلة نووية خدمة لإسرائيل ولإيجاد سبب لضربها بعد رشقة صواريخها الأخيرة. والصفقة الأمريكية مع دول الخليج والتي مقدارها عام 2017 قدر ب 450 مليار دولار (أسلحة)هدفت لتدمير علاقة السعودية بإيران وهو الذي لم تستجيب له، وقابلته بإقامة علاقات متوازنة مع ايران.
لقد فشلت أمريكا علنا رغم الجهود الدبلوماسية والسياسية الدولية بوقف الحرب في غزة التي تحولت لمذبحة بشرية يومية، ولها مصلحة بذلك تصب في صالح إسرائيل، وتقود ذات الوقت الحرب في أوكرانيا لإبعاد الأضواء العالمية عن غزة والضفة الغربية ولبنان، ولتتوسع المذبحة. وأصبح العدو الحقيقي لأمريكا وإسرائيل - ايران وروسيا، والصين اقتصاديا. ولقد عاد المشهد العالمي لما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، لشريعة الغاب، وانتهى دور الأمم المتحدة والقانون الدولي وحتى مجلس الأمن، والمحكمة الدولية. وأصبح قرار العالم بيد الصهيونية فقط. ومشهد نازية أودلف هتلر يتكرر الآن عبر شخص بنيامين نتنياهو وحزب الليكود المتطرف، فليس هكذا يبنى السلام مع إسرائيل الفاشية المتوحشة الباحثة عن إعادة ترتيب أمن المنطقة الممكن أن يكون آمناً من دون وجودها حتى. وأن أوان انتصار توجه تعددية الأقطاب الذي تقوده روسيا الاتحادية الأكثر تمسكا بالقانون الدولي على مستوى العالم، والذي يساندها شرق وجنوب العالم (الصين ، والهند ، وتركيا ، وأفريقيا) وغيرها من الدول مع ابقاء الباب السياسي والاقتصادي مواربا تجاه الغرب لعله يعود لضميره. وها هي كاميلا هاريس خليفة جو بايدن المرشحة للأنتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة 5 نوفمبر 2024 تصرح بأن ايران عدوة أمريكا الأولى لرشقها إسرائيل الاحتلالية الاستيطانية بحزمة صواريح تأديبية، ومن يستمع للخبر يعتقد بأن ايران رشقت أمريكا ذاتها بالصواريخ مباشرة لذلك هي غاضبة . عجبي؟ ويقابل ذلك تطاول لفظي من طرف كاميلا أيضا على الرئيس بوتين، وهو المرفوض أخلاقيا.
لقد أصبح العالم محتاجا لإعادة هيكلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل العليل ومحكمة الجنايات الكبرى لترتكز على أسس جديدة تحقق العدالة الدولية للمجتمعات والدول، وأن أوان الاحتلالات، والاستعمارات، والاستيطانات، وافتعال الأزمات والحروب، أن تنتهي . ومثلما في الغرب قيادة الطرف الواحد المتطرف ، في الشرق قيادة تمثل ميزان وعقل العالم .
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/11 الساعة 20:53