حكومة الرزاز والأمن الإنساني والإرهاب
بقلم: المحامي الدكتور سعد علي البشير
هذه سلسلة من المقالات سوف يتحدث فيها الدكتور سعد علي البشير عن التحديات التي تواجه الحكومة الحالية، واضعاً يده على وصف التحدي، ومظاهره، وبعض الطرق الدالة على مجموعة من الحلول المنطقية التي ربما استفادت منها الحكومة في معالجتها لهذه التحديات.
تواجه معظم الحكومات في جميع دول العالم العديد من التحديات، والأردن ليس استثناءً من هذه القاعدة، وإنما تتميز التحديات التي يواجهها الأردن منذ عشرات السنوات أن بعضها أصبح مزمناً عصياً على الحل كارتفاع المديونية العامة وارتفاع أعبائها، وبعضها أتى بشكل حاد بحاجة إلى معالجة سريعة، وعلى رأس هذه التحديات تأتي التحديات الأمنية الذي يواجهها الأردن اليوم، حيث استهدف البعض أمن واستقرار الأردن، متعدياً على مواطنيه وتحديداً على بعض قواته الأمنية في الفحيص، وهنا يأتي السؤال الهام من هؤلاء المعتدين، هل هم من إحدى التنظيمات التي تريد زعزعة الأمن في البلاد، أم هم مدفوعون من قبل الفاسدين كإشارة إلى أنهم أقوياء لن تسطيع الحكومة محاربتهم، أم إن هؤلاء مجموعة من الأفراد الذين عض عليهم ناب الفقر؛ فأصبحوا أداة طيعة في يد من أغدق عليهم المال لغايات خاصة.
ورغم أن الأردن قد اعتاد على الأزمات، إلا أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي أطاحت بحكومة هاني الملقي، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور عمر الرزاز، وقبل انتهاء المائة يوم من عمر الوزارة؛ هاهو الإرهاب يظهر من جديد، ورغم إحالة هؤلاء إلى المحاكم المختصة إلا إنني أرى أن على الحكومة أنت تفكر جدياً بأسباب ظهور الإرهاب وفي هذا الوقت بالذات، خاصة وأن التحقيقات أثبتت عدم انتماء هؤلاء إلى أي تنظيم، ولكنهم يمتلكون فكراً متطرفاً، مما يعني أن هناك تحدٍ جديد يواجه حكومة الرزاز ألا وهو الأمن الإنساني الذي هو أمن الإنسان من الخوف، ومن القهر، ومن العنف، ومن التهميش، ومن الحاجة، ومن الحرمان، ومن عدم التمكين الاجتماعي.
يا دولة الرئيس قمتم مشكورين ببعض الزيارات الشعبية ككشك أبو علي، ومستشفى البشير، ومجمع الباصات، وزرتم بعض مناطق المملكة البعيدة والقريبة، ولبيتم بعض المطالب الخاصة لبعض أبناء الشعب، ولكن حكومتكم يا دولة الرئيس وبعد أن مضى على عمرها أكثر من سبعين يوماً تستعد لإعادة مشروع قانون الضرائب إلى الواجهة بعد استفتاء شعبي خجول، فهل درستم الموضوع دراسة كافية كما طلب منكم جلالة الملك؟
ويا دولة الرئيس إلى متى سوف نبقى مرهوني الإرادة إلى البنك الدولي؟
يا دولة الرئيس لا نريد أن يتزعزع الأمن الإنساني للمواطن الأردني، فالأمن الإنساني يتهدد عند عدم ضمان حد أدنى لدخل الفرد، وعند عدم توفير الحد الأدنى له من الغذاء، كما يتهدد الأمن الإنساني عند عدم توفير الحد الأدنى للرعاية الصحية، كما يتزعزع الأمن الإنساني عندما تعجز الدولة عن حماية الفرد من عنف وإرهاب الآخرين.
نحن أردن العزم يا دولة الرئيس، مهمتكم يا دولة الرئيس أن تنقذوا المواطن من الفقر، والجوع، مهمتكم الحفاظ على الأمن بكل أنواعه وعلى رأسه الأمن الإنساني للمواطن الأردني هذا الأمن الذي قال كوفي عنان بأنه:" يتضمن أمن الإنسان بأوسع معانيه، فهو يشمل حقوق الإنسان، والحكم الرشيد وإمكانية الحصول على التعليم وعلى الرعاية الصحية وكفالة إتاحة الفرص والخيارات لكل فرد لتحقيق إمكاناته، وكل خطوة في هذا الاتجاه هي أيضا خطوة نحو الحد من الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي ومنع الصراعات والتحرر من الفاقة وحرية الأجيال المقبلة في أن ترث بيئة طبيعية صحية هي اللبنات المترابطة التي يتكون منها أمن الإنسان وبالتالي الأمن القومي".
فإن كان المواطن الأردني قد تهدد عيشه، ووصل إلى مرحلة العوز، ووصل إلى درجة لا يستطيع فيها تأمين رغيف الخبز، وحليب أطفاله، وإطعام أولاده، وتأمين تعليمهم، ولم يستطيع تأمين الرعاية الصحية له ولجميع أفراد أسرته فأمنه الإنساني في خطر؛ وعليكم يا دولة الرئيس إنقاذه من الوصول إلى العوز الذي ربما أدى إلى عودة غير محمودة العواقب إلى الإرهاب.
فهل تستطيع حكومتكم يا دولة الرئيس أن تنقذ الأمن الإنساني لهذا الوطن خلال الأيام القادمة ؟
وهل تستطيع حكومتكم يا دولة الرئيس تحقيق الأمن الإنساني للمواطن الأردني، دون إملاءات من أحد حتى ولو كان البنك الدولي؟ ودون قروض؟ ودون مزيد من الضرائب؟ هنا السؤال؟
*عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولي للحقوقيين
أنقرة 19/8/2018