واجب فتح ملف «الطبابة»..!
اخطأت نقابة الاطباء - مرتين - حين قررت رفع « التسعيرة» : مرة بحق نفسها والمنتسبين اليها واغلبهم ممن قدموا رسالة المهنة الانسانية والاخلاقية على ما سواها من اعتبارات، ومرة اخرى بحق الناس الذين وجدوا انفسهم امام قرارات «متوحشة» تستهدفهم في اهم حق من حقوقهم، وهو حق الحصول على الرعاية الصحية بتكلفة معقولة.
من المفارقات هنا ان النقابة التي شاركت في اضراب ايار الماضي احتجاجا على الحكومة ومشروع قانون ضريبة الدخل، هي ذاتها التي فاجأتنا بلائحة اجور طبية مبالغ في اسعارها، وبدون ان تجري اي حوار او تشاور مع اي طرف اخر، لا داخل القطاع الطبي ولا مع لجنة الصحة النيابية، ولا مع المواطنين المعنيين بهذا الخدمة الضرورية.
آنذاك كنا نتصور (للاسف) ان هبّة النقابات خرجت من رحم الانتصار للناس والتضامن معهم والدفاع عنهم من تغول الحكومة وضرائبها، لنكتشف الان ان اخواننا في نقابة الاطباء كانوا يدافعون فقط عن «مداخيلهم» وانهم منطقهم لا يختلف عن منطق الحكومات اذا ما تعلق الامر بمصالحهم وعلاقتها مع جيوب المواطنين .
لا اريد ان اعمم، ولكن - بحسب مصادر رسمية - فان فئة كبيرة من الاطباء يتهربون من دفع الضريبة على دخولهم،وربما لهذا السبب استبقت النقابة مشروع قانون الضريبة فاصدرت لائحة اسعارها الجديدة، وسواء اكان ذلك بموجب صفقة مع الحكومة او محاولة للمقايضة معها لاحقا، فانها (النقابة) اخطأت التوقيت والتقدير معا، فهي من جهة قدمت للحكومة افضل هدية لتمرير القانون بعد ان اقتنع المواطنون ان هؤلاء الذين اخرجوهم للدوار الرابع تحت خيمة الاضراب لم يفعلوا ذلك لوجه الله او من اجل المجتمع وانما من اجلهم فقط، كما انها من جهة ثانية لن تجد ظهيرا شعبيا يتطوع للدفاع عنها اذا ما حاولت «لي «ذراع الحكومة لخفض ضريبة الدخل على المنتسبين اليها، على العكس من ذلك فان رفع سقف الضريبة بعدالة على هذا القطاع وغيره من اصحاب الدخول المرتفعة، ومحاسبتهم على تهربهم الضريبي بحزم، سيكون مطلبا للناس، خاصة بعد ان انكشف المستور.
سواء تراجعت نقابة الاطباء عن لائحتها او لم تتراجع، فان مجرد اصدارها في هذا التوقيت بدون اخذ اي اعتبار لاوضاع اغلبية الناس الاقتصادية، سيجرح من صورة المظلة التي تمثل هذه المهنة لدى الجمهور، كما انه سيعني ان الذين يفترض ان يكونوا عنوانا «للرحمة» تنازلوا عن هذا الواجب الانساني اولا وانضموا - كغيرهم من اصحاب الحرف والمهن - الى طوابير حساباتهم الشخصية، بدل القيام برسالتهم الانسانية والاخلاقية التي هي عنوان مهنة الطب .
لا يخطر في بالي ان ابلغ او اكون مثاليا، فانا ادرك ان ثمة اغلبية من الاطباء الذين نحترمهم يحملون هذه الرسالة ويصرون على الوفاء لها، وبعضهم يقدم الطبابة مجانا للمحتاجين من المرضى، كما ادرك ان من حقهم كغيرهم من اصحاب المهن ان يحصلوا على اجور عن اتعباهم والا كيف سيتمكنون من العيش بكرامة، لكن هذا الحق في الاجر يجب ان يكون في حدود المعقول وان يتناسب مع ظروف المجتمع الذي يعيشون فية ومع الخدمة المقدمة للمرضى بدون مبالغة او تغول من اي طرف على الطرف الاخر.
لدي رجاء، وهو ان تعلن الحكومة بشفافية كم المبالغ التي تصب في الموازنة كضريبة دخل من قطاع الطبابة، وكم مستشفى تم ضبطه متهربا من دفع الضريبة، ولدي اقتراح بان تقوم الحكومة بإخضاع هذا القطاع وغيره من القطاعات لنظام « الاتمتة « الالكترونية، بحيث نطمئن على ان الاموال التي يدفعها الناس للطبابة سيذهب منها ما تستحفه خزينة الدولة من ضرائب.
باختصار، حين تتغول نقابة الاطباء على المرضى الذين يحتاجون للدواء والشفاء بفرض اسعار مرتفعة تتجاوز قدراتهم، تحت ذريعة «التضخم « او الغلاء المعيشي او غيرها،مع ان هذه الحجج تنطبق على مداخيل المواطنين المتجمدة منذ سنوات طويلة، حين يحصل ذلك فمن حقنا ان نطالب بفتح ملف الطبابة في بلدنا، ليس فقط باشهار وتطبيق قانون المساءلة الطبية، او تحسين الاداء، وانما بكشف كافة الاخطاء والتجاوزات والمحاسبة عليها ايضا.
الدستور