سعود يكتب: إيران وإسرائيل.. معادلات الصراع والحسابات السياسية
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/04 الساعة 23:34
في خضم التصعيد المستمر في منطقة الشرق الأوسط، تتطلب المعادلة الحالية للصراع بين إيران وإسرائيل تحليلًا واقعيًا بعيدًا عن التبسيط المخلّ. فبينما قد تبدو المواجهة بين الطرفين وجودية وصفرية، حيث يسعى كل طرف للقضاء على الآخر، إلا أن الحقيقة مركبة و أكثر تعقيدًا ، فالمعادلة ليست صفرية ولا وجودية بمعنى السعي المباشر لطرف لإنهاء وجود الآخر، وهذا ينطبق بشكل أكبر على إيران.
وحين نطالع الأحداث الحالية للصراع سنرى حقيقة المشهد ، خاصة عند الحديث عن الجبهات الأخرى في الصراع. فمثلا في غزة، نجد أن الحرب بين إسرائيل وحماس تأخذ طابعًا مختلفًا، إذ تتعامل إسرائيل مع هذه الحرب كحرب ردع استراتيجي تهدف إلى تغيير الواقع الأمني والعسكري والسياسي في القطاع. بل، يمكن القول إن هذه الحرب بالنسبة لإسرائيل تقترب من أن تكون وجودية أو صفرية، حيث ترفض الأخيرة إنهاء العمليات العسكرية قبل التأكد من القضاء على حماس وقدراتها العسكرية، بالإضافة إلى إنهاء حكمها في غزة وتغيير الوضع بالكامل.
أما من جانب حماس، فالأمر أكثر وضوحًا؛ فهذه الحرب بالنسبة لها وجودية بشكل جلي . إما أن تصمد فيها، وهو ما تعتبره انتصارًا سيفرض لها مكانا مهما في حكم القطاع والمفاوضات المستقبلية لغزة ما بعد الحرب ، أو أنها ستنتهي كقوة مسلحة لها وجود وتأثير وجمهور في غزة والمنطقة ككل ، وهذا ما يجعل الحرب بين الجانبين أكثر شراسة .
على الجبهة اللبنانية، نجد أن معادلة الصراع مع حزب الله تشبه إلى حد ما معركة غزة، على الأقل في هذه المرحلة من الصراع . بالنسبة لإسرائيل، هذه المعركة هي أيضًا معركة ردع استراتيجي تهدف إلى تغيير الواقع الأمني والعسكري في لبنان لأطول فترة ممكنة. فبينما ان الحرب في لبنان قد لا تكون وجودية أو صفرية، لكنها قد تتحول لذلك في اي لحظة سيما إذا حصلت إسرائيل على الدعم الدولي والأمريكي الذي تسعى اليه ، وخاصة في حال عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، وهو ما يراهن عليه نتنياهو ويحاول إطالة أمد الحرب لأجله.
أما فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الإيراني، فإيران تتعامل معه بمنظور سياسي قبل أن يكون عسكريًا. تاريخيًا، كانت إيران تعتمد على البراغماتية السياسية في إدارة هذا الملف، معتمدةً على موازنة الربح والخسارة والقدرة على المناورة. إيران تدرك أهمية الحفاظ على تماسك محور "الممانعة" الذي يشكل حجر الزاوية في مشروعها التوسعي ونفوذها في المنطقة، ويقوم هذا التحالف على معاداة إسرائيل والغرب بشكل عام، مع رفع شعار "تحرير القدس".
لكن في المقابل، تقف إيران أمام مجموعة من التفاهمات والتجاذبات مع الولايات المتحدة في قضايا متعددة، بدءًا من الملف النووي الإيراني وصولاً إلى النفوذ في العراق وسوريا ولبنان، حيث يشكل حزب الله محورًا أساسيًا في هذه المعادلة. إلى جانب هذه الملفات، تخشى إيران من فقدان حزب الله كحليف استراتيجي قوي، وهذا ما يجعلها مضطرة للتدخل والدفاع عنه بقوة، كما حدث في الضربة الإيرانية الأخيرة التي جاءت كرد فعل سريع لتجنب فقدان هذا الحليف ، وخصوصا في ظل الاتهامات الأخيرة من أقرب حلفاء ايران بأنها كان لها يد في مقتل حسن نصر الله ، بالإضافة إلى تململ النظام السوري وتراجعه المفاجىء عن تأييد الحزب داخل سوريا وإعادة ترتيب اوراقه وخصوصا بعد دخول اسرائيل الحرب مع لبنان .
ورغم الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، فإن الحسابات السياسية تظل هي الأساس في إدارة هذا الصراع. تشير تقارير إلى أن إيران أبلغت الولايات المتحدة بموعد الضربة قبل تنفيذها، تمامًا كما فعلت في الضربة الأولى في أبريل الماضي، مما يشير إلى أن هذه الضربات ليست خطوات تصعيدية بقدر ما هي رسائل ردع ومحاولة لتهدئة الأوضاع والتفاوض.
في ختام هذا المشهد، يمكن القول إن إيران، رغم كل شعاراتها وتصريحاتها المعادية لإسرائيل، لا تسعى لتدميرها فعليًا. فإيران، كدولة قوية ذات مصالح وأطماع في المنطقة، تدرك أن الحروب الوجودية الصفرية ليست في مصلحتها، وتعرف جيدًا أنها لن تدخل في مواجهة صفرية مع إسرائيل أو حتى مع الولايات المتحدة. هذا لا يعني أن إيران لا تشكل تهديدًا، لكنها تهديد تحكمه الحسابات السياسية والبراغماتية.
وفيما يخص الضربات الإيرانية الأخيرة، ورغم أنها أحدثت بعض الأضرار على المستوى الأمني، إلا أن النتائج البشرية كانت محدودة للغاية . و يبقى السؤال: هل سيتعلم الناس في منطقتنا من هذه الدروس التي تقدمها السياسة؟ أم أنهم سيظلون ضحايا لشعارات القوى والنخب السياسية، التي تستخدم الصراع كأداة لتحقيق مصالحها الخاصة؟ وهل سندرك حقيقة أن ايران لديها مشروعها التوسعي الإستعماري الذي لا يقل خطورة عن أي مشروع استعماري آخر ؟ وهل سندرك شعوبا ونخب أنه حان الوقت لاستنهاض مشاريع وطنية حقيقة تضع مصلحة الوطن أولا وأخيرا قبل أي ولاءات أو انتماءات أو حتى تجاذبات عاطفية تفرضها حدة الأزمة أو ضبابية المشهد أو زيف الشعارات ؟!
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/04 الساعة 23:34