عن الصفر وعبدة الارقام

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/11 الساعة 00:22
إنه وبالنظر الى الباب المشرع امام كل منا على اللانهاية, والى ان ذلك غير متعلق بارادة أحد منا, اذ قد يدفع اليه بعضنا قبل ان يقوم من مقامه, وقد يجر اليه بعضنا قبل ان يرتد اليه طرفه, أو بعد حين «كتاباً مؤجلاً» فإن على من اراد أن يكون حراً أن يتخذ له فلسفة قائمة على ان «الصفر سيد الارقام» وأن الارقام كلها سيغمرها التلاشي: فقد تساوى في الثرى راحل غداً وباق من ألوف السنين *** إن من شأن هذه الفلسفة أن تحرر المرء من اوهاق أوهام المادة وأن ترتفع به فوق ضروراتها وأن تبطل أحكامها عليه وإملاءاتها. *** أو هي – إن شئت – خروج به من قانون ادنى الى قانون أعلى, ومن ضيق الى سعة, ومن أفق وطيء الى آخر مفارق اكثر رحابة وعلواً, حيث يمكن له ان يرى الاشياء – من ثم – في أحجامها الحقيقية وفي جملة العلاقات التي تنظمها. *** وحين يكون الصفر – آخر المطاف – هو المستقر, وهو مفاجأة الجامعين الدائبين والحريصين المقترين, فإن اكثرنا ولعاً بالارقام ودلالات الارقام وارتهانات الاوهام هو اكثرنا تفجعاً على ما كان سلخ من عمره قبل أن يدرك حقيقة اصطدامه بنقطة التلاشي التي يمثلها هذا الرقم العجيب الذي يعطي كل عدد, كبر أو صغر, معناه أو يسلبه اياه.. *** انها مفاجأة تنحسر بها الاوقام والمطامح والمشاريع والاماني, ويقف ازاءها الانسان ذاهلاً يحسب له أو يحسب عليه, والصفر ماثل يذكّره بحماقاته ويؤكد له باطل ما كان جمع وطرح, وخمّس وسدّس, وفداحة ما كان خدع به نفسه فأبلس. *** وبعكس هذا المصير الذي ينتهي اليه عبدة الارقام, فقد عرف تاريخنا وتاريخ الامم الغابرة اهتماماً مختلفاً بالارقام, وجعلوها وسيلة الى نظر (عرفاني) في اللانهايات, كما هو الامر عند فيثاغوراس وافلاطون الاغريقيين, وعند اخوان الصفا, وعند فلاسفة المشرق الاقصى. بيد أن لكل هؤلاء أوهامهم وأباطيلهم, وحسبنا في هذا المقام ما اوجزناه من حديث «عبدة الارقام». الرأي
  • قائمة
  • قانون
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/11 الساعة 00:22