العتوم يكتب: عندما تقلب إسرائيل معادلة الحرب والسلام

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/02 الساعة 09:45
أصبحنا نحن العرب مصابين بعمى الألوان فلم نعد نفرق بين المحتل والخاضع للإحتلال، وبين القاتل والمقتول، وبين من يحق له ممارسة الاغتيالات والاجتياحات وبين من يحق له أن يقاوم المحتل ويحرر الأرض المسلوبة ويدافع عن العرض والشرف، وأصبحنا أمام مشهد حقيقي لا سينمائي يشير الى أن كل مليون عربي يعادلون في سوق المحتل الإسرائيلي حياة أسير واحد لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس أو غيرها العربية.
ولم نعد نحسن تدقيق النظر بهوية الصديق والعدو في الجناح الغربي من العالم . ومن استعمرنا بالأمس، ومن يهيمن علينا اليوم لازال صديقا لإسرائيل الاحتلالية الاستيطانية منذ عهد ثيودور هرتزل 1897، ويفضلها علينا. وفي المقابل ترى ماذا يريد الفلسطيني صاحب الأرض التاريخية والقضية العادلة؟ هل يريد فعلا أكثر من وطن سلب منه؟ وأكثر من دولة يتفيأ تحت ظلالها؟ وأكثر من عاصمة تضم القدس الشريف والمقدسات الإسلامية والمسيحية؟ ولماذا يقتل المحتل الإسرائيلي شعب فلسطين ولا أقول مقاومته عمدا في وضح النهار العربية والعالمية؟ ماذا يريد اللبناني غير تحرير أرضه و الوقوف بجانب شقيقه الفلسطيني يا ترى؟ فلماذا يقتل كما الفلسطيني وباعداد كبيرة ترتقي الى جريمة الحرب و بهدف اغتيال رموزه و احتلال أرضه إذن؟ وماذا يريد اليمني غير مساندة الشعب الفلسطيني وشعب لبنان الشقيقان الواقعان تحت الاحتلال و الظلم طويل المدى؟ ماذا يريد السوري الشقيق غير تحرير جولانه والأراضي العربية كافة ؟ فلماذا يتعاون الغرب على قصف فلسطين ولبنان و سوريا ؟ لقد بلغ السيل الزبى فعلا وغدونا نحن العرب أمام حالة تشبه ( الحيط الواطي ) ، وما يساعد على ذلك هو تقييدنا بمعاهدات سلام نعتقد بأنها الخط الساخن والقنصلي فقط ، وغيرنا من العرب في العمق الاستراتيجي مراقبون فقط ، أو هكذا صنفوا أنفسهم و ارتاحوا .
فما هو المشهد العربي المطلوب الان أيها السادة؟ هل نبقى مفرقين متفرجين و العدو الإسرائيلي المدعوم من قبل القطب الغربي الممثل لأحادية القطب و المتغول و الممارس لجرائم الأبادة صبيحة كل يوم بحجة مقارعة المقاومة العربية المشروعة التي أقرها القانون الدولي ؟ لماذا لا نستمع لكبريات دول العالم الأخرى مثل روسيا الأتحادية و الصين و الهند و شرق و جنوب العالم بما في ذلك أفريقيا ؟ انهم يقرون بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره ،و يعترفون أكثر من الغرب مجتمعا بمؤسسة (الأمم المتحدة ) الواجب أن تلتزم بشرعيتها الى جانب محكمة العدل العليا . والوحدة العربية الحقيقية التي نادى العرب اليها ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي مفجر ثورة العرب الهاشمية الكبرى ليست بعيدة المنال، وان أوان أن يمتلك العرب قوة عسكرية ليست موحدة فقط و إنما غير تقليدية تماما كما إسرائيل بكامل جسمها الغريب و سط المنطقة العربية و الشرق أوسطية . و لماذا يصمت العالم على امتلاك الكيان المغتصب للسلاح النووي بعد ذلك و يمنع العرب و ايران و تركيا من امتلاكه ؟ اليست الصهيونية من وسط مؤسسة ( الأيباك ) المؤسسة عام 1953هي حاكمة العالم ؟
قلقون هنا في الأردن على ما يحدث في الجوار و أبعد ، فالهوية الأردنية شقيقة للهوية الفلسطينية و لا مكان بينهما لما يسميه العدو الإسرائيلي بالوطن البديل لتحقيق هدف التهجير القسري المرفوض أردنيا و عربيا و عالميا . و في الأردن قيادة هاشمية قوية و حكيمة ، و جيش عربي أردني قوي نفاخر به الدنيا ، و أجهزة أمنية جبارة موقرة ساهرة على مدار الساعة و عيونها حمر كما الجمر ،و علاقات دولية استراتيجية متينة متوازنة . و جريمة الإبادة التي تمارسها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر2023 طالت الضفة الغربية و لبنان و سوريا و اليمن و ايران رغم محدودية أكتوبر و رسالته الدولية القوية ،وهو الذي جاء ردة فعل على احتلال إسرائيلي غاشم لا زال ماكثا منذ 76 عاما . فما هو الشرق الأوسط الجديد الذي تبحث عنه إسرائيل و معها أمريكا منذ عام 2006 ؟ هل هو شرق خالي من المقاومة المشروعة للإحتلال والمرسخ للأحتلالات ذات الوقت ؟ لقد أصبح مطلوبا من المجتمع الدولي أن يرفع يده عن مساندة و دعم إسرائيل و بطريقة مشبوهة ، و العزوف عن السكوت على جرائمها البشرية المتكررة ، و إلا لن تستطيع الدول و الشعوب العربية التمكن من تحرير أراضيها و مقدساتها .
يثلج صدرونا هنا في الأردن موقف جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله مع أهلنا في غزة ، و في الضفة الغربية ، و في لبنان ، ومع قضايا العرب الاحتلالية و التي في مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة . وجولات جلالة الملك السياسية التي شملت دولا عالمية عديدة خاصة منها التي تقود القرار الإسرائيلي مثل بريطانيا و أمريكا مهمة جدا . و المساعدات الإنسانية و الطبية الأردنية لغزة المنكوبة مشكورة و مقدرة ، و مشاركة جلالة الملك وولي العهد في توصيلها جوا تحترم . و اعلان الأردن عبر وزير الخارجية السيد أيمن الصفدي عن جاهزية تقديم العون الممكن للبنان يحترم أيضا . و المطلوب أكثر الان ترجمة نداء جلالة الملك من النييورك ، من وسط الأمم المتحدة ،لأنضمام المجتمع الدولي لمواصلة تقديم مساعدات أكبر لشعوبنا العربية الواقعة تحت القصف الإسرائيلي ، و نحن العرب أهل لهذه المساعدات و قادرون عليها أكيد .
للعلم فقط إسرائيل و جيشها جزء لا يتجزأ من حلف (الناتو ) الصديق للعرب أيضا ، و قوة إسرائيل الظاهرة و عربدتها الجوية والبرية تنطلق من هذا التحالف ، ومعا تنطلق أوامرهم من واشنطن العاصمة ، من الأيباك والبنتاغون و الكونغرس مباشرة ، ومن مصلحتهما تشويه صورة الموقف الروسي و الصيني أيضا ، وهما الأوضح على خارطة الأرض ، و ثمة خطوط تعارض بين توجه أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المتغول على أركان العالم ، و العاجز بطبيعة الحال عن وقف اطلاق النار في منطقتنا العربية و الشرق أوسطية ،و ربما لها مصلحة بذلك ، و هو الأمر الذي زاد الطين بلة ، وتسبب في كارثة بشرية مأساوية لم يشهدها التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية 1939/ 1945 . و أدعو هنا دول منطقتنا العربية الأهتمام أكثر بالموقفين الروسي و الصيني المساندين لقضايا العرب الأحتلالية ولقضية فلسطين العادلة تحديدا ،و المؤازرين للمقاومة العربية المناضلة من أجل تحرير الأراضي العربية من نير الاحتلال الإسرائيلي الغاشم ، وكما يقول مثلنا العربي تماما (مافيه حق بضيع وراره مطالب) . ولا مخرج مقابل للبشرية و دول العالم من غير الانضمام لتوجه عالم متعدد الأقطاب الذي تقود مساره روسيا الاتحادية الصديقة للعرب والمنفتحة على شرق وجنوب العالم وتبقي الباب مواربا للانفتاح على الغرب وشمال الغرب، ومراهنة جادة تجوب العالم على توجه دونالد ترمب اذا ما فاز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن الحزب الجمهوري بتاريخ 5 نوفمبر المقبل لانهاء حروب الشرق الأوسط والحرب الأوكرانية كذلك . وها هي ايران تنتصر لحزب الله وتكرر عدم مراعاة سيادات الدول التي تمرر صواريخها من فوقها تجاه إسرائيل .
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/02 الساعة 09:45