الخضراء يكتب: نصر الله في مرمى الاغتيال

مازن الخضراء
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/30 الساعة 18:01
هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها زعيم لحزب الله، كما أن اغتيال القيادات ليس بالأمر النادر في الصراعات. على مدار العقود، قامت إسرائيل باغتيال العديد من قادة المقاومة في فلسطين ولبنان، ولكن ما كان دائمًا لافتًا هو أن التنظيمات لا تتأثر بشكل كبير، بل غالبًا ما تزيد قوةً. إسرائيل نفسها اعترفت بأن اغتيال الموسوي أدى إلى ظهور حسن نصر الله، الذي أثبت أنه قائد أصعب وأكثر تأثيراً.
اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، لا يمكن اعتباره مفاجئًا أو غير متوقع. "إسرائيل" لها تاريخ طويل في اغتيال قادة المقاومة، سواء في لبنان أو فلسطين. على سبيل المثال، في عام 1992، قامت إسرائيل باغتيال عباس الموسوي، الأمين العام السابق لحزب الله، ليخلفه حسن نصر الله الذي قاد الحزب نحو تطور كبير.
وهذا يشير إلى أن الأفكار لا تموت باغتيال الأشخاص، فالذين يتم اغتيالهم هم مجرد حاملين لرسالة أكبر، والاغتيال يعزز هذه الرسالة بدلاً من إضعافها.
في هذا السياق، يبرز دور إيران، الدولة التي أسست حزب الله وجعلته قوة إقليمية يُحسب لها حساب. ومع ذلك، فإن السردية التي تُروج لفكرة "الرد الإيراني المدروس" تبدو غير واقعية. إيران لم تتورع عن التضحية بحلفائها من أجل حماية مصالحها السياسية والأمنية.
إيران لا تقدس أحدًا، حتى لو كان هذا الشخص من صنعها أو من حلفائها. فهي تقدس نظامها ومصالحها فقط. هذا واضح من تاريخ تعامل إيران مع حلفائها، سواء في لبنان أو فلسطين. اغتيال إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية، والرد الإيراني الذي اقتصر على الخطابات، هو دليل على أن إيران لا تتحرك إلا عندما تكون مصالحها هي المهددة بشكل مباشر.
تاريخياً، شهدنا أيضًا كيف تعاونت إيران مع الولايات المتحدة فيما يعرف بفضيحة "إيران جيت" (Iran Gate) خلال الحرب العراقية الإيرانية، رغم أنها تُطلق على الولايات المتحدة لقب "الشيطان الأكبر". هذا يظهر البراغماتية الإيرانية، كما هو موضح في تحرير الوسيلة للخميني، الذي سمح بالتعاون مع ظالم لردع ظالم آخر.
منذ اندلاع الأحداث في 7 أكتوبر، نشهد تصعيداً مستمراً في الصراع. الدائرة تتوسع بشكل متسارع، والأخطر هو ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. قالها بصراحة: "لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة". أي ان ذراع الظلم ستصل إلى كل المنطقة لتحقيق أهدافها الظالمة التي لم تتحقق بعد حسب الرواية الإسرائيلية، حتى بعد كل ما شهده العالم من عنف ودمار. هذه التصريحات تعكس طموحات إسرائيل في الهيمنة الإقليمية، مما يثير مخاوف جدية بشأن استقرار المنطقة.
ما نراه اليوم هو أن إسرائيل تدفع المنطقة نحو هاوية عدم الاستقرار، حيث تتزايد التدخلات العسكرية وتتسع دائرة العنف. أي استهداف جديد، سواء في لبنان أو فلسطين، يزيد من خطر انزلاق المنطقة في حرب إقليمية شاملة.
لا يمكننا تجاهل ما تقوم به دولة الاحتلال من جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني. القصف العشوائي على المدنيين، تدمير البنية التحتية، والتشريد الجماعي للآلاف ليست سوى جرائم ترتكب تحت غطاء السعي لتحقيق "السلام".
من السخف والعبث قبول الرواية التي تروجها دولة الاحتلال والتي تزعم أن ما تفعله هو من أجل تحقيق السلام. هذه الجرائم تتناقض تمامًا مع أي مفهوم حقيقي للسلام، وتكشف عن نوايا توسعية وعدوانية تهدف إلى إخضاع المنطقة بأكملها لمخططات دولة الاحتلال.
استهداف حسن نصر الله أو أي من قادة المقاومة ليس سوى فصل آخر في سلسلة طويلة من الاغتيالات التي لم تُضعف المقاومة، بل زادتها قوة. إيران، على الرغم من دورها الكبير في تأسيس حزب الله، تظل تلعب لعبة مصالحها الخاصة، ولا تتردد في تقديم التضحيات إذا لزم الأمر. الصراع الحالي في المنطقة يتسع بشكل خطير، وإسرائيل تسحب المنطقة بأسرها نحو حرب قد لا تنتهي قريبًا. ومع ذلك، فإن الجرائم الإسرائيلية المستمرة، بما فيها جرائم الحرب والإبادة الجماعية، يجب أن تُدان بلا تردد، فهي تمثل انتهاكًا صارخًا لكل المبادئ الإنسانية.
في النهاية، لا يسعنا إلا أن نتوجه بالتعازي العميقة لكل الضحايا الأبرياء في الجانب الفلسطيني واللبناني الذين فقدوا أرواحهم نتيجة هذه الحرب المستمرة. إنها لحظات أليمة تعيشها المنطقة، حيث يدفع المدنيون ثمناً باهظاً للصراعات السياسية والعسكرية.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/30 الساعة 18:01