الدرعاوي يكتب: الجولات الميدانية الحكومية
الجولات الميدانية التي يقوم بها رئيس الوزراء والوزراء تمثل وسيلة مباشرة وفعالة لتفعيل مبدأ المساءلة وتحقيق الإنجاز الحكومي على أرض الواقع، فهذه الزيارات، التي تأتي استجابة للتوجيهات الملكية، تتيح للمسؤولين فرصة الاطلاع عن قرب على هموم المواطنين واحتياجاتهم، ما يُمكّن من اتخاذ قرارات تستند إلى معلومات ميدانية مباشرة، وليس مجرد تقارير مكتبية قد لا تعكس الصورة الحقيقية. لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى أي مدى تؤثر هذه الزيارات في صنع القرارات الحكومية؟ وهل تنعكس فعلاً على تحسين حياة المواطنين بشكل ملموس؟ من الواضح أن الهدف من الزيارات الميدانية هو تلمس احتياجات المواطنين على أرض الواقع والتفاعل مع القضايا التي يواجهونها يوميًا، فالاستماع المباشر إلى المواطنين في مواقعهم يُمكن المسؤولين من استيعاب التفاصيل التي قد لا تظهر في التقارير الرسمية أو الاجتماعات المغلقة، ومع ذلك، يظل التساؤل حول ما إذا كانت هذه الزيارات قادرة فعلاً على تحويل التحديات التي يواجهها المواطنون إلى حلول فعلية وسياسات مؤثرة. رئيس الوزراء جعفر حسان، بعد زيارته إلى دير علا وغور الصافي، شدد على أهمية الملاحظات التي تلقاها من المواطنين والمستثمرين في تلك المناطق، مؤكدًا أن تلك الملاحظات ستُدمج في القرارات والسياسات الحكومية المقبلة. ولكن تبقى هذه التصريحات في إطار الكلام ما لم يتبعها أفعال ملموسة على أرض الواقع، فالوعود بتقديم حلول سريعة والاستجابة الفورية للاحتياجات ليست كافية ما لم يتم ترجمتها إلى خطوات عملية قابلة للقياس والمتابعة. وهنا يتساءل المواطن: كيف ستتم متابعة تنفيذ هذه القرارات؟ وما هي الآليات التي ستضمن تحقيق الوعود الحكومية ضمن الجداول الزمنية المحددة؟ هذا يقودنا إلى نقطة أخرى تتعلق بمدى قدرة الحكومة على جعل الزيارات الميدانية جزءاً مؤسسياً من عملها اليومي، ولا يمكن اعتبار هذه الزيارات كحل مؤقت أو إجراء يعتمد على الظروف، فالزيارات الميدانية يجب أن تكون جزءًا من الثقافة الحكومية بحيث تكون متكررة ومنظمة، وليس مجرد استجابة لأزمات أو ضغوطات معينة. الجولات الميدانية بحد ذاتها لا يمكن أن تكون فعّالة إذا لم تكن مدعومة بآليات متابعة ومحاسبة شفافة، فإذا لم تكن هناك خطة متابعة دقيقة تنفذ من خلال تكرار الزيارات والتأكد من أن القرارات التي تم اتخاذها تم تنفيذها بالكامل، فإن هذه الزيارات ستفقد قيمتها مع مرور الوقت، ولذلك، من الضروري أن تتبع كل زيارة ميدانية خطة عمل واضحة تعتمد على تحديد الأولويات، ووضع جداول زمنية محددة، ومتابعة تنفيذ الوعود التي قُدمت للمواطنين. من جانب آخر، لا بد من طرح تساؤلات حول مدى شمولية هذا النهج، فهل ستقتصر الزيارات الميدانية على مناطق معينة فقط، أم ستشمل جميع المناطق؟ لضمان ألا يشعر المواطنون في المناطق النائية بأنهم خارج إطار الاهتمام الحكومي. ومن هنا، يصبح من الضروري أن تكون الزيارات الميدانية وسيلة حقيقية للتغيير، وليس مجرد إجراء شكلي، فالهدف النهائي يجب أن يكون تحقيق تنمية مستدامة تعود بالفائدة على جميع المواطنين، مع ضمان تحقيق التوازن بين الاستجابة للاحتياجات العاجلة وتطبيق سياسات طويلة الأمد تخدم المصلحة العامة.