الزيود يكتب: الملك يضع النقاط على الحروف

د. خلف ياسين الزيود
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/26 الساعة 10:11

تعوَّد المجتمع الدولي على جلالة الملك، من خلال لقاءاته وخطاباته في المحافل الدولية، على الحصافة والخبرة والنظرة المستقبلية في قضايا الأمم خاصة السياسية منها..

ولطالما تعلمنا منه الدروس وأخذنا منه الأفكار والرؤى من خلال هذه الخطابات ولطالما اعتمد السياسيون في العالم على خطابات الملك لرصد احداث مستقبلية قادمة والتعامل معها، حيث دوما ما تكون خطابات جلالة الملك ورؤيته ذات تحليل سياسي للواقع وفيها ما فيها من التحذيرات والتنبيهات لمخاطر قادمة واذكر منها تحذيره المسبق بشأن الازمات في سوريا والعراق واليمن والتحذير المسبق للتعامل مع جماعات متطرفة وارهابية في منطقتنا.
شاهدنا أمس الأول خطاب جلالة الملك حفظه الله في الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين, هذا الخطاب التاريخي الذي اعتبره من أجرأ وأشجع الخطابات التي مرت علينا في المحافل العالمية من رئيس دولة, خطاب اسميته وضعا للنقاط على الحروف، بعيدا عن المجاملات, جاء جلالة الملك للمجتمع الدولي ليضع النقاط على الحروف, ويرسم طريق المستقبل القريب للخروج وللحل النهائي من الازمة العاصفة في منطقتنا العربية.
جاء الخطاب بثلاث رسائل في غاية الأهمية واستطيع تلخيص هذه الرسائل الثلاث لكم بثلاث محاور:
المحور الأول بعنوان (تذكير):
ذكّر جلالة الملك من خلال خطابه أنه لطالما جاء اليكم وقدم لكم تصوراً وتحليلاً واقعياً وحقيقياً لوضع المنطقة وحذركم من ان استمرار العنف يولد عنفاً اكبر وان كل يوم يمر دون حل يعقد المشكلة اكثر وان عليكم الآن الاخذ بأهمية هذه التحذيرات. كما انه ذكرنا بخطاب جلالة الملك المغفور له ان شاء الله، الحسين بن طلال، وتوصياته للمجتمع الدولي وللأمم المتحدة، ومشدداً على رفض الأردن لأي مشاريع تهجير للشعب الفلسطيني.
المحور الثاني بعنوان (رسالة للمجتمع الدولي):
حيث وجه جلالة الملك المجتمع الدولي نحو أمرين فيما هو قادم من أيام وهما (أما) (أو).. أما ان يغير العالم جدية الطرح في التعامل مع انتهاكات الحرب على غزة من قبل الحكومة الإسرائيلية أو سيخسر المجتمع الدولي وجمعية الأمم المتحدة مصداقيتها ودورها السامي الحقيقي في فرض العدل والسلام بشكل متساو لجميع الأمم، وحذرهم كذلك من ان الثقة بالمبادئ والقيم الإنسانية للأمم المتحدة قد بدأت بالانهيار فعلا، حيث ان الانتقائية في التعامل مع الامن والإنسانية التي هي اليوم واقعنا الأليم بوابة لصراعات وحروب عالمية.
المحور الثالث بعنوان (رسالة للمجتمع الإسرائيلي في العالم):
وهذا أهم وأجرأ وأشجع خطاب يوجه للإسرائيليين في التاريخ الحديث، خطاب يوجه لكافة اركان دولتهم من شعب إلى حكومة إلى دولة ولصناع قرار، خطاب يوضح لهم بصورة حقيقية مآلات ما يقبلون عليه من جراء ما تصنعه حكومتهم الحالية, كما ذكرهم أن التطور بالعلاقات بينهم وبين الدول العربية التي وصلوا لها من مبادرات السلام العربية والتطبيع خلال العقود الماضية عادت اليوم لنقطة الصفر نتيجة لتوجه حكوماتهم المتطرفة ومن الممكن ان يكون الوضع اسوأ من نقطة الصفر ويصل للعزلة التي يخشاها الشعب الإسرائيلي, وهذا كان بمساعدة المجتمع الدولي الذي لطالما كان متفرجا ومساندا لهم دون الاخذ بعين الاعتبار ما هي نتيجة هذا القرار, حتى وصلوا الى ان تكون هذه المساندة او الحصانة الدولية هي العدو الأول والاكبر للإسرائيليين, وهذا كله نراه اليوم من الاحتجاجات من شعوب العالم كافه المطالبة بمعاقبة إسرائيل على المجازر والحرب ضد المدنيين، وهذا كله دمر الصورة التي حاولت إسرائيل ايصالها خلال العقود الماضية بأنها صورة الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط واكتشفها العالم من خلال الضحايا الذين نشاهدهم كل يوم جراء عدوانية ووحشية الحكومات المتطرفة.
جلالة الملك حفظه الله وضع إسرائيل قادة وشعباً ودولة تحت المجهر أمام المجتمع الدولي، بتصويرهم لأنفسهم أمام العالم بصورتين؛ صورة الوحش وصورة مدعي الديمقراطية والسلام وعليهم الآن أن يختاروا صورة واحدة منهما نتعامل معهم بها وهذا سيشكل ضغطاً سياسياً كبيراً على قادتهم.
وصفتُ هذا الخطاب بالأجرأ والأشجع وهذه صفات القادة الحقيقيين، صفات لا يمكن لأي دولة مواجهة مخاطرها دون التحلي بها، الجرأة في التعامل مع الوضع الراهن أمر مطلوب وهذا ما نتمنى ان نراه على مسؤولينا في الأردن خاصة من هم في مراكز صنع القرار، نتمنى ان يصلهم الدرس من جلالة الملك وان يدركوا أن المرحلة القادمة محتاجة لشجاعة وجرأة في مواجهة التحديات والمخاطر. ــ الراي

مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/26 الساعة 10:11