ريت المنايا الّلي تجي يا سلامة.. المرعي يكشف: من هو سلامة (فيديو)

راتب المرعي الدبوش
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/25 الساعة 13:58
قصيدة من فنِّ (الشروقي)، شدا بها عازف الربابة، المغني الأردني الراحل (عبدو موسى) في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. وأدّاها بإحساس عاطفي، يمزج بين إبداءِ الحب للمخاطب (سلامة)، والأمل في أن يظل سالما شامخا معافى، وإظهارِالتشفّي بمصير من أرادوا به سوءا، وآذوه، وتآمروا عليه.اختلف الناس في قائل القصيدة التي عرفت في تاريخنا المحلي، وتراثنا الشعبي باسم (ريت المنايا الّلي تجي يا سلامة). كما اختلفوا في مناسبتها، واختلفوا أكثر في: مَـن هو (سلامة) الذي خاطبه الشاعرفي قصيدته؟؟وقد ذهبوا في (سلامة) هذا، مذاهب شتّى؛ فمنهم من ذهب إلى أن (سلامة) هو سلامة بن رزق، المعروف بأبي زيد الهلالي الذي قاد بني هلال في تغريبتهم من الجزيرة العربية إلى تونس في القرن الخامس الهجري.والردُّ على هؤلاء يأتي من خلال النظر في لغة القصيدة؛بألفاظها وعباراتها، ومعانيها وإيماءاتها؛فهي ألفاظ وعبارات، ومعان وإيماءات حديثة معاصرة، لم يعرفها أبناء البوادي في الجزيرة العربية في القرن الخامس. يضاف إلى ذلك، أن القصيدة التي نحن بصدد الحديث عنها، أقوى سبكا، وأكثرُ متانة، وأسلمُ وزنا وموسيقا من أشعار الهلاليين.ومنهم من زعم أن (سلامة)، هذا، هو (سلامة المواجدة) أحد شيوخ عشيرة (المواجدة) الكركية، وأن صداقة كانت بينه وبين عبدو موسى، جعلت الأخير يرثيه بهذه القصيدة عند وفاته. والرد على هذا الزعم، وما يماثله، يكمن في أن القصيدة تخاطب شخصا على قيد الحياة.فهي، إذن، ليست رثاء، ولا بكاء على متوفى.كما أن القصيدة تخاطب (سلامة) باعتباره (سور العروبة) و(حامي حمانا). وهي أوصاف لم يدرج إطلاقها على الشيوخ والوجهاء، مهما بلغوا من مكانة اجتماعية عالية.ثم إن قصائد الرثاء والمديح الناجمة عن العلاقات الشخصية بين الشعراء ومن يرثونهم أو يمدحونهم، لا تمتلك صلاحية البثّ المتجدّد عبر الإذاعة الأردنية التي كانت منبر الإعلام الرسمي الأول، وربما الوحيد.ومنهم من قال إن القصيدة مرثاة للشهيد وصفي التل، وهو قول يفـنّـده أن تاريخ ظهور القصيدة (مغناةً) بصوت عبدو موسى، كان سابقا على تاريخ استشهاد وصفي.يضاف إلى ذلك، أن القصيدة تخاطب، كما قلت قبل قليل، شخصا على قيد الحياة، فهي، إذن، ليست رثـاء لشهيد،أو بكاء على متوفى.بل هي تعاطف مع المخاطب الحي، ووقوف إلى جانبه، والتفاف حوله،وهو الذي كاد له الكائدون، ونصب له أهل الشر والحاسدون الأحابيل، وتآمروا عليه؛ بهدف إسقاطه، وزعزعة كيانه.ومن ناحية أخرى، فإن كاتب النص لا يمكن أن يسبغ على الشهيد وصفي التل صفات تجعله (سور العروبة) و(حامي حمانا وللعدا قهار)؛ لأسباب لا مجال لذكرها هنا. ثم، هل من المعقول أن يخاطب المتوفى، أو الشهيد بـعبارة: (أنت رجانا والأمل يا سلامة)؟؟ ***مما تجدر الإشارة إليه، أن الإذاعة الأردنية، منذ نشأتها، وحتى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، كانت عندما تبث أغنية ما، سواء كانت جديدة، أو قديمة، تذكر اسم مؤلف النص، واسم الملحن، بالإضافة إلى اسم المغني. وكل ذلك كان يذكر في جدول البث اليومي المطبوع، كما يبث صوتا على الهواء.. ما عدا هذه القصيدة، فلم يذكر لها اسم مؤلف، أو كاتب. والسؤال هو: لماذا؟؟ وما المغزى؟؟واضحٌ أن كاتب القصيدة بقصدٍ منه، وبإرادته المحضة،لم يُــرِدْ،أن يُذكـرَ اسمُه. وهذا يعني أن عدم ذكر اسم كاتب النص هو أمر مقصود.أما لماذا حرص كاتب القصيدة على عدم ذكر اسمه، وعلى ألا تشير الإذاعة إلى شخصه؟ فراجع إلى أن القصيدة تشكل (موضوعا سياسيا)، يندرج ضمن الحملات الإعلامية التي كانت متبادلة بين الأردن، وبعض الأنظمة العربية التي كانت تعاديه، وتهاجمه، وتتآمر عليه وعلى قيادته. وهو أمر جعل القصيدة قريبة مما كنا نسميه في وسائل الإعلام بـ (الحديث السياسي) الذي يطرح (رأي الدولة) في قضية ما، دون أن يذكر اسم كاتبه؛ بهدف جعل ذلك الرأي (رأيا عامّا جمعيّا مؤسسيّا)، وليس رأيا فرديا، أو وجهة نظر شخصية. ***ولكن، من هو (سلامة) الذي خاطبه نص القصيدة؟حتى نتمكن من الكشف عن شخصية (سلامة)، أرجو أن تدققوا النظر معي في هذه الأبيات:ويطول عمـرك يا حفيظ السلامة
وتـدوم يا عـز الأهل والجـار
يابو الفضايل ما عليك الملامة
اللوم يغشى الخاين الغدار
وانت رجانا والأمل يا سلامة
سور العروبة ورائد الأحرار
راعي البطولة والعزم والشهامة
حامي حمانا وللعدا قهــار.
إن المتأمل في هذه الأبيات، وفي نص القصيدة بشكل عام، يجد أن (سلامة) هذا، يمثل شخصية ذات ثقل ووزن كبيرين، ويشكل معادلا موضوعيا لرمز وطني عالٍ، بل عنوانا لوطن بأكمله. وهو لا يعدو أن يكون (الملك الحسين بن طلال) ذاته؛إذْمَنْ هو الذي تمكن مخاطبته بهذه الصفات المقرونة بالدعاء له، والثناء عليه، واعتباره أملا ورجاء، وحاميا للحمى، ورائدا للأحرار سوى قائد الوطن، الملك الحسين؟إن نظرة خاطفة إلى المناخ السياسي الذي ولدت فيه القصيدة يؤيد، بل يؤكد ما ذهبتُ إليه، من أن (الملك الحسين بن طلال)، هو المقصود شخصيا برمز (سلامة).ففي العام 1970، وهو العام الذي ظهرت فيه القصيدة، مات أحد رؤساء الأنظمة العربية ممن كانوا يعادون الأردن، ويتآمرون عليه وعلى قيادته،كما أن رئيسا آخر، كان قد دفع بجيشه لاحتلال الأردن، قد انقلب عليه وزير دفاعه، وأودعه السجن في العام ذاته.ولهذا، وجدنا كاتب نص القصيدة، يتمنى باستعمال أداة التمني (ريت/ ليت) أن تدور عجلة الموت على كل (الأنذال)، وعلى كل من ينطبق عليه وصف (الخاين الغدار)؛ ليشفي الله، بذلك، صدور قوم مؤمنين بوطنهم الأردن وقيادته. ***أما لماذا ظلت القصيدة خالدة وحيّـة في الوجدان الشعبي الأردني؟ فذلك راجع إلى إمكانية التمثل بها، وإسقاطها على كل الظروف والأحوال المشابهة؛ فحيثما وجدنا الشهم النظيف العفيف، صاحب الخلق والمروءة - يتعرض للمكائد والدسائس والعداء، وكلما رأينا الأقزام يحاولون التطاول عليه، والانتقاص من مكانته العلية، وكلما رأينا (ربع المذلة الذين لا يريدون الكرامة) يخونون ويتآمرون - وجدنا صوت القصيدة يتسرب إلى الخواطر والأذهان، يندد بمواقف الخونة والأنذال. ***وأورد فيما يلي أبيات القصيدة، وتجدون بعدها (ملفا صوتيا لها) بصوت عبدو موسى:ريت المنايا اللي تجي يا سلامة
تحوم على الأنذال دار بدار
ويطول عمـرك يا حفيظ السلامة
وتـدوم يا عـز الأهل والجـار
يابو الفضايل ما عليك الملامة
اللوم يغشى الخاين الغدار
خلّي العدى بحسراتها والندامة
وقـلوبـها تــوقــد عليها نــار
ربع المذلة ما تريد الكرامة
ع وجوهها وسم الخزي والعار
ريت المنايا اللي تجي يا سلامة
تحوم على الأنذال دار بدار
وبيت انبنى بلا ساس سرع انهدامه
ومهماارتكز لا بــــد ما ينهار
وبيت الأصل باقي متين الدعامة
راسي وما يهــتز مهما صار
وبيت الشرف والعز عالي مقامه
محفوظ وما يعلق عليه غبار
طول الزمن مشهود له بالزعامة
الساس ثابت والفروع كبار
وانت رجانا والأمل يا سلامة
سور العروبة ورائد الأحرار
راعي البطولة والعزم والشهامة
حامي حمانا وللعدا قهار
ريت المنايا اللي تجي يا سلامة
تحوم على الانذال دار بدار
يحرم على الدساس يقضي مرامه
البـين فـاله ويـن ما يـندار
مير الحواسد ما تخلّي اللآمة
والبوق للقلوب الخبيثة كار
ريت المنايا اللي تجي يا سلامة
تحوم ع الأنذال دار بـدار.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/25 الساعة 13:58