العلاقات الروسية مع الدول الصديقة في ظل الأزمات المتلاحقة

المهندس عصام محمود وبي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/24 الساعة 22:45
استحوذ المفهوم الإستراتيجي الجديد للسياسة الخارجية الروسية على الكثير من النقاشات والحوارات الداخلية في دوائر اتخاذ القرار في موسكو ، والتي استمرت أكثر من عام ، في ظل تصاعد التهديدات الخارجية واحتدام المواجهة مع القوى الغربية في الساحة الأوكرانية والعقوبات غير المسبوقة التي فُرِضت على روسيا ، فضلاً عن حالة العداء التي يجري تعميمها ضدها في ما بات يعرف بـالروسوفوبيا .
وقد أعلن الرئيس الروسي في اجتماع مع الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن القومي الروسي أن الاضطرابات والتحولات الجذرية في الحياة الدولية تستوجب إجراء تعديلات نوعية في مسارات السياسة الخارجية الروسية بما يتلاءم مع التحديات التي تواجه روسيا وطريقة مقاربتها القضايا الحيوية والساخنة وعلاقاتها الإقليمية والدولية .
وأكد بوتين أن المفهوم الجديد للسياسة الخارجية "بمنزلة أساس عقائدي سليم للعمل لاحقاً في مجال الشؤون الدولية " ، وطلب من القائمين على السياسة الروسية ، الذين هم على صلة بتنفيذ سياسة خارجية موحدة ، إيلاء اهتمام خاص لتوسيع العلاقات مع الشركاء ذوي التفكير البنّاء وتهيئة الظروف للدول غير الصديقة للتخلي عن سياستها العدائية تجاه روسيا .
وفي 31 آذار/مارس 2023، صدّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الوثيقة الإستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية التي تشكل في مضامينها معالم خارطة الطريق لروسيا في علاقاتها الخارجية للسنوات المقبلة وأولت الوثيقة أهمية كبيرة لعزم روسيا الاتحادية على تطوير الشراكة مع العالم الإسلامي ومكافحة كراهية الإسلام ، ونصت على التالي : "تعتزم روسيا الاتحادية توجيه أولوية اهتمامها إلى تطوير التعاون الشامل والقائم على الثقة مع جمهورية إيران الإسلامية ، والدعم الشامل للجمهورية العربية السورية ، فضلاً عن تعميق شراكة متعددة الجوانب وذات منفعة متبادلة مع جمهورية تركيا والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ، مع مراعاة درجة سيادتها ومواقفها البناءة في سياستها تجاه روسيا الاتحادية .
ويؤكد المفهوم الجديد تزايد الحاجة إلى شركاء موثوقين لضمان الأمن والاستقرار وحل المشكلات الاقتصادية على المستويين العالمي والإقليمي ، وهذه الدول هي دول الحضارة الإسلامية الصديقة. هذه الدول في ظل عالم متعدد الأقطاب ستجد أمامها آفاقاً واسعة لتصبح مركزاً مستقلاً للتنمية العالمية .
وفي هذا الصدد ، تسعى روسيا الاتحادية لتعزيز التعاون الشامل متبادل المنفعة مع دول منظمة التعاون الإسلامي على أساس احترام بناها الاجتماعية والسياسية والقيم الروحية والأخلاقية التقليدية التي تؤمن بها
بغية تعزيز سيادة روسيا ورفع مستوى مساهماتها في تشكيل نظام عالمي أكثر عدلا .
وفي هذا الاطار يعتزم الجانب الروسي التعاون بنشاط مع جميع الأطراف المعنية من أجل تنفيذ مقترحات روسيا الاتحادية لضمان الأمن الجماعي في منطقة الخليج العربي. وترى موسكو أن تنفيذ هذه المبادرة هو خطوة مهمة نحو تطبيع مستدام وشامل للوضع في منطقة الشرق الأوسط .
وستعمل روسيا الاتحادية لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات ، فضلاً عن الإسهام في توطيد الجهود الرامية إلى حماية القيم التقليدية ومكافحة كراهية الإسلام ، وستهتم موسكو بتخفيف التناقضات بين دول منظمة التعاون الإسلامي وجيرانها ، وكذلك المساهمة في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوبها وجنوب شرق آسيا .
ومن جهة ثانية تعمل روسيا على تعزيز العلاقات الاقتصادية من خلال سلسلة من الإجراءات الثنائية مع معظم تلك الدول وتعزيز القدرات الانتاجية للتخلص من آثار العقوبات الاقتصادية الهائلة التي فرضتها أمريكا والكتلة الغربية بعد بدء العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا
فقد فرضت الدول الغربية عقوبات متصاعدة على روسيا مُستهدفة القطاعات الحيوية كالقطاع المالي والمصرفي والتجارة والطاقة والنقل والتكنولوجيا والدفاع.
كما قوضت قدرتها على الوصول إلى احتياطاتها من العملات الأجنبية ، ولاسيما الدولار الأمريكي ، وتجميد أصول العديد من رجال الأعمال والأثرياء الروس ، فضلاً عن اغلاق العديد من الدول الغربية المجال الجوي أمام الطائرات الروسية و فرض سلسلة من العقوبات وضوابط التصدير التي منعت توفير قطع الغيار والخدمات وغيرها من التقنيات لأسطول الطائرات التجارية .
لكن الخطوط الجوية الروسية واصلت رحلاتها ، حيث نقلت نحو 95 مليون مسافر العام الماضي وسط تزايد الطلب على الرحلات الداخلية , وتشكل طائرات بوينغ و إيرباص حوالي 77٪ من الأسطول الروسي المكون من 696 طائرة في الخدمة. وفي ديسمبر الماضي ، قال البنك المركزي الروسي إن الطائرات الغربية تنقل 97٪ من إجمالي الركاب الروس .
وتحتاج هذه الطائرات الحديثة عادة إلى تحديثات البرامج المتكررة ، واستكشاف الأخطاء وإصلاحها والصيانة ، والمهندسين المهرة ، والأهم من ذلك ، قطع الغيار لاستبدال المكونات القديمة أو المعطلة .
ومنعت العقوبات الأميركية والأوروبية الشركات الروسية من أي اتصال مع صانعي الطائرات وشركاء الصيانة والعديد من الموردين للأجزاء الرئيسية للطائرات ، من المحركات إلى معدات الهبوط والدعم الفني .
وتبحث شركات الطيران الروسية عن استراتيجيات لتأمين الصيانة لبعض طائراتها على الأقل ، بما في ذلك اللجوء إلى مزودي الطرف الثالث في دول شرق آسيا وتركيا لتوفير قطع الغيار والخدمات فيما مازالت ايران تمتنع عن العمل في هذا المجال رغم ما ستحصل عليه من مزايا مالية واقتصادية عظيمة , وهذا يفرض الحذر من تحركات ايران المتبدلة خاصة مع احتمال توقيع اتفاقية تعاون استراتيجية شاملة قريباً .
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/24 الساعة 22:45