'تفجيرات البيجر' تعيد ملف الجواسيس الإسرائيليين إلى الواجهة

مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/20 الساعة 18:55
مدار الساعة - أثارت عمليات التفجير التي استهدفت أجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي لعناصر حزب الله في 17 و18 أيلول/سبتمبر في لبنان جدلا أخلاقيا وقانونيا لكنها وفي نفس الوقت اعتبرت "مثيرة تقنيا".
بغض النظر عن الآراء المتعلقة بالانفجارات التي استهدفت الآلاف من عناصر الحزب الشيعي، وأسفرت عن عشرات الضحايا، إلا أنها أعادت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى واجهة المشهد الإعلامي.
رد اعتبار بعد 7 أكتوبر؟
كان الوقت قد حان بالنسبة لجهاز الموساد وأجهزة الأمن العسكرية، فهجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 التي وقعت داخل إسرائيل اعتُبرت "فشلا استخباراتيا إسرائيليا في التنبؤ بهذه العملية التي نفذتها حماس، في المقابل، يعتبر التخريب في لبنان لأجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي بمثابة ردّ اعتبار لهذه الأجهزة"، كما أوضحت أفيفا غوتمان، المتخصصة في تاريخ وكالات الاستخبارات في أوروبا والشرق الأوسط بجامعة أبيريستويث في ويلز.
ومع ذلك، تبقى التفاصيل حول تنظيم وتنفيذ الخطة الإسرائيلية غامضة حيث تتغير المعطيات بسرعة.
فإذا تتبعنا على سبيل المثال، أصل تصنيع أجهزة البيجر المفخخة فإنها قصة مليئة بالتعقيدات ولم تكشف أسرارها بعد.
في البداية تم تصنيع هذه الأجهزة في تايوان بواسطة الشركة المصنعة، ومن ثم تم تجميعها بواسطة فرع في المجر، الذي تم تقديمه أحيانا في الصحافة كواجهة محتملة وضعتها الاستخبارات الإسرائيلية منذ سنوات. وربما يكون الجواسيس الإسرائيليون قد صنعوا أجهزة البيجر بأنفسهم، في المجر... أو في مكان آخر.
لم تعترف إسرائيل حتى بأنها وراء العملية "لكن هذا ليس جديدا، فالإسرائيليون يحتفظون دائما بدرجة معينة من الغموض حول عملياتهم السرية"، يذكر دانيال لوماس، المتخصص في أجهزة الاستخبارات بجامعة نوتنغهام.
ومع ذلك، فإن خبراء الاستخبارات يتفقون على نقطة واحدة. "النجاح في تنفيذ عملية بهذا الحجم أمر مدهش، حتى بالنسبة لأجهزة استخبارات معروفة بكفاءتها مثل تلك الإسرائيلية"، يقول أهارون بريغمان، أستاذ العلوم السياسية الإسرائيلي بكلية كينغز في لندن الذي كتب عن الاستخبارات الإسرائيلية.
"هو بالأساس إنجاز على المستوى التنظيمي، يُنسب إلى جهاز الموساد، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية، وبدرجة أقل لوحدة 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي، المسؤولة عن اعتراض الإشارات الإلكترونية (مشابهة لوكالة الأمن القومي الأمريكية)". ولكن "مع وجود ألفي موظف فقط، ليس لدى الموساد الموارد البشرية اللازمة للتعامل مع كل ما يتعلق بالجانب الإلكتروني للعملية"، يشير كلايف جونز، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط والإسلام في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة.
تنسيق دقيق بين الجواسيس
وفقا لكلايف جونز، ينبغي أيضا الحديث عن عناصر من الوحدة 504 التابعة للاستخبارات العسكرية، "المسؤولة عن الإشراف على العملاء المتسللين إلى الدول المجاورة، من لهم دور على المستوى البشري في لبنان".
"بالنظر لحجم العملية، يُحتمل أن يكون تركيب الأجهزة المتفجرة قد تم الإشراف عليه جزئيا من قبل وحدات متخصصة في الجيش الإسرائيلي، مثل سلاح الهندسة"، وفق الخبير أهارون بريغمان، مشيرا إلى حادثة تفخيخ هاتف يحيى عياش، خبير المتفجرات في حماس، في 1996.
لقد تطلب الأمر تنسيقا دقيقا بين وكالات متعددة على مدار أشهر. وهذا أمر غير بسيط، بالنظر إلى أنه "خلال حرب يوم الغفران في 1973 وفي هجوم 7 أكتوبر 2023، تم إلقاء اللوم جزئيا على ضعف التنسيق بين الوكالات المختلفة في فشل الاستخبارات الإسرائيلية"، كما يوضح بريغمان، بالنسبة إليه، نجاح العملية في لبنان يثبت أنه قد تم العمل على تحسين هذا الجانب.
كان الغموض حول أجهزة البيجر المفخخة وصناعتها محور اهتمام الإعلام. ولكن، "بالرغم من أن التفاصيل اللوجستية وراء هذه العملية تعتبر مثيرة، لا ينبغي إغفال التحديات الكبيرة في كسب ثقة حزب الله - المعروف بقدرته العالية على الحذر والشك - لإدخال الأجهزة المفخخة إلى أيدي مقاتليه"، تشرح شير مور، وهي خبيرة سابقة في الوحدة 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي، ومتخصصة في قضايا الأمن في الشرق الأوسط.
وقال مصدر أمني لبناني كبير إن الحزب طلب خمسة آلاف جهاز اتصال من إنتاج شركة "غولد أبولو" التايوانية، وتقول عدة مصادر إنها وصلت إلى البلاد في الربيع.
تقدّر مور أن النجاح من الجانب الاستخباراتي البشري في هذه العملية حقق فائدة أخرى لإسرائيل، حيث من المحتمل أن تكون هذه الأجهزة قد استخدمت أيضا للتجسس على اتصالات حزب الله قبل أن تُستخدم كمتفجرات. بعبارة أخرى، بالرغم من أن الهدف الظاهر للعملية كان تعطيل شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، إلا أنها ربما ساهمت في جمع معلومات حيوية حول العمليات المخطط لها من قبل الحزب.
استعراض للقوة
ولكن إذا كان الهدف الرئيسي هو التجسس وتعطيل الاتصالات، فلماذا تم تفجير الأجهزة؟ يقرّ ستيفن واجنر، المؤرخ المتخصص في استخبارات الشرق الأوسط، بأن "هناك طرقًا لتعطيل الاتصالات دون التسبب في إصابة الآلاف".
إحدى التفسيرات قد تكون أن "إسرائيل أرادت إرسال رسالة واضحة بأنها لن تتراجع عن تحقيق أهدافها، وأن أجهزتها الأمنية لن ترحم"، كما يرى دانيال لوماس.
الفرضية الأخرى تتعلق بتوقيت العملية. "يبدو أن إسرائيل كانت تخطط لاستخدام هذه الأجهزة في حالة نشوب حرب مفتوحة مع حزب الله، لكنها اضطرت إلى تنفيذ العملية في وقت مبكر خشية اكتشاف الأجهزة"، تفسر أفيفا غوتّمان.
وفي حال وقوع هجوم مسلح في لبنان، فإن "تفجير أجهزة الاستدعاء وإرسال بعض ضباط حزب الله إلى المستشفى كان يمكن أن يكون مفيدا"، بحسب ستيفن فاغنر.
بالنسبة لفاغنر، "تستغل إسرائيل هذه العملية لتأكيد بدء 'مرحلة جديدة' من الصراع". الفكرة تكمن في الإشارة إلى احتمالية حدوث عمليات مماثلة في المستقبل لدفع حزب الله إلى الانسحاب من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، مما يسمح بعودة أكثر من 100 ألف إسرائيلي إلى منازلهم في المنطقة الحدودية دون الحاجة إلى شن حرب.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/20 الساعة 18:55