وبحبك يا لبنان

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/19 الساعة 00:05
.. شاهدت الأخبار أمس، كان لبنان يتصدر النشرات.. وصور الذين بترت أصابعهم، ظلت عالقة في ذهني.. هم أرادوا هذا الأمر بصراحة، أرادوا أن تقطع الأصابع التي تضغط على الزناد.. من يقول لك غير ذلك هو لا يعرف (وساخة) إسرائيل..
أرادوا أن يقطع الاصبع الذي يرتفع للتشهد في الصلاة أيضاً، وأرادوا أن يقطع الأصبع الذي يشعل فيه جورج شمعة.. يوقدها أمام صورة أمه التي ماتت قبل سنوات... هم أرادوا أن يغتالوا الكف التي تلوح للأطفال في شاطئ بيروت، وتطبع القبل وترميها إليهم.. أرادوا اغتيال الكف التي تحن على الوالدة وتتبرك برأسها.. أرادوا اغتيال الكف التي تمسك (المشط) في ساعات المساء كي تقوم بعمل (جدولة) لزينة أحلى بنات الروشة وأعذبهن.
إسرائيل لا تدري أن حسين إن فقد أصابع يده، فهناك ألف مريم تمسك قطعة الخبز (وتغمسها) بالزيت وتطعمها اياه، وإسرائيل لا تدري أن الزناد لدى اللبناني أحيانا لا يحتاج للاصبع.. كي تضغط عليه، يكفيه أن يوجه له الأمر بالإطلاق وسيطلق.. وإسرائيل لا تدري أن الأصابع هناك وإن بترت لكنها ستعود لتنبت من جديد تماما مثل شجر التفاح.. مثل الجديلة، مثل قصب السكر.. ومثل ريحان (أم الياس) الذي تعربش على أطراف الشبابيك.
إياكم أن تعتقدوا أن ما حدث هو انتصار (سيبراني).. هذا كذب وانحدار مخيف.. هو بصراحة تعبير عن الدناءة لا أكثر ولا أقل، إسرائيل تعرف كيف تغتال الأصبع.. لكنها لا تعرف كيف تنتج أصبعاً مثل أصابع جبران خليل جبران.. التي صاغت من الكلمة ملحمة عالمية، إسرائيل تعرف أن تجعل الدم يسيل من الكف.. لكن إسرائيل لن تنتج كفا مثل كف وديع الصافي الذي كان حين يضغط على الوتر السادس في عوده؛ يهتز النيل ويرقص بردى، والأرز يخرج صوتا يشبه صوت الخلاخيل في دمشق..
نعم إسرائيل تجيد أن تخترق الحقيبة والدراجة النارية وغرفة النوم.. وأدراج المكتب، لكنها لا تجيد أن تخترق القلب مثلما فعل سعيد عقل.. لا تجيد أن تفجر الدمع في العيون.. حين تنشد فيروز ترنيمتها في كاتدرائية القديس جورج.. إسرائيل لا تجرؤ أن تجعل البشرية كلها تقف أمام شاطئ بيروت وينطق الموج باللبنانية الفصحى: (بحبك يا لبنان يا وطني بحبك.. بشمالك بجنوبك.. بسهلك بحبك).
قولوا للكنائس في بيروت، صبي قليلا من شمعك الدافئ الطاهر على جروح الضحايا.. وحتما ستضيء الأصابع من جديد، إن شحت الكهرباء في بيروت أصابع الجرحى ستنير لياليهم.. وقولوا لكل إمام في مساجدها.. حين تتشهد في الركعة الأخيرة من صلاة العصر؛ دعهم يرفعون الأكف بدلا من الأصابع.. ويجهرون بالتشهد، إن السماء حتما ستهتز لإيمانهم العظيم.. وقولوا لمن ارتكب العملية الدنيئة.. إن الأرض اللبنانية غاضبة جدا، لكنها بدلا من كل اصبع بتر.. ستنتج ألف زناد.. وألف وردة وألف أغنية، وألف شجرة أرز.. وفوق كل ذلك ستنتج من الصبر العظيم ما يفوق?مساحة الدنيا.
وقولوا لبيروت، لأنك أحلى سيدة في الأرض.. يغارون منك، ولأنك التي يزورها البحر كل صباح كي يغسل أقدامها.. ويتبرك (بالخلخال) الذي ترتدينه.. يغارون أيضا.. ولأنك بيروت التي حين تلقي جديلتها على كتف المساء.. تثمل النجوم والغيم يرقص.. ولأنك بيروت أول الحب وأول الفداء وأول مجد للعرب.. يغارون منك..
ولأنك بيروت.. فقط كلمة بيروت وحدها تكفي لإسقاط كل الأسئلة.. هي الجواب.. نعم بيروت كانت دوما هي الإجابة الواضحة في التاريخ.. بالرغم من تراكم الأسئلة.
وبحبك يا لبنان.. يا وطني بحبك.. بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك.
Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/19 الساعة 00:05