مهيرات تكتب: التغيير ضيف ثقيل لا مفر منه
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/08 الساعة 10:31
التغيير هو ذلك الوحش الذي نسمع عنه دائمًا، لكننا نفضل أن نراه من بعيد، مثل أسماك القرش في الأفلام؛ مشوق ولكن مرعب، رغم أننا نخافه ونتجنبه، إلا أن التغيير يقتحم حياتنا من حيث لا ندري، يعبث بروتيننا اليومي ويفتح نوافذ جديدة نحن غير مستعدين لها، لكنه، بقدر ما يجلب من فوضى، يحمل في جعبته فرصًا غير متوقعة، سواء كان تغييرًا سلوكيًا أو مجتمعيًا، يبقى التغيير هو القوة الدافعة لتطور المجتمعات والأفراد.
الأزمات تأتي على رأس قائمة محركات التغيير، عندما تنهار حياتك كما ينهار جبل من الرمل، تجد نفسك مضطرًا للتصرف، لأن الخيارات محدودة: إما أن تتغير، أو تبقى مكانك وتغرق مع السفينة.
في دراسة أجرتها جامعة هارفارد، تبيّن أن 78% من التغييرات الجذرية تحدث بعد أزمة شخصية أو مهنية، ما يشير إلى أن الضغط هو المحرك الخفي للتغيير، تمامًا مثل البطارية الخفية في لعبتك الإلكترونية.
ثم تأتي التكنولوجيا، وهي القوة الخفية التي تعيد تشكيل حياتنا دون أن ندرك، من كان يتخيل قبل 20 عامًا أن هواتفنا ستصبح امتدادًا لأيدينا، وأننا سنقضي ساعات نتحقق من إشعارات لا معنى لها؟ وفقًا لتقرير حديث، ارتفع معدل استخدام التكنولوجيا الرقمية بنسبة 35% على مدار العشرين عامًا الماضية، وهي بلا شك تجر المجتمعات معها إلى عصر جديد من التغيير.
وما لا يمكن تجاهله هو التغيرات الثقافية والمجتمعية التي تجتاح العالم، بدءًا من حركات حقوق الإنسان، مرورًا بالثورات النسوية، وصولًا إلى تلك الحملة الكبيرة ضد الفاكهة على البيتزا.
كل هذه الحركات تدفع المجتمعات إلى إعادة التفكير في معتقداتها وممارساتها، ووفقًا لدراسة من مركز "التقدم المجتمعي"، 65% من التغييرات الاجتماعية تأتي نتيجة مباشرة لضغوط الحركات الاجتماعية النشطة، ليس هذا فحسب، بل إن سلوكيات الأفراد تتأثر كذلك؛ فتتغير العادات اليومية، مثل طرق التواصل بين الأجيال، وأنماط الاستهلاك وحتى طرق التعبير عن الهوية الشخصية
بعد مرور العاصفة، تبرز النتائج. قد لا تكون دائمًا إيجابية، ولكنها دائمًا مثيرة للاهتمام.
أول تأثير للتغيير هو تحسين جودة الحياة. وفقًا لمعهد "مؤشر السعادة العالمي"، فإن المجتمعات التي شهدت تغييرات كبيرة في مجال حقوق الإنسان والرعاية الاجتماعية حققت قفزة بنسبة 23% في مستويات الرضا العام عن الحياة. هذا لا يعني أن الجميع أصبحوا فجأة سعداء كالشخصيات الكرتونية، لكنه يعني بالتأكيد أن التغيير يجلب نوعًا من التحسن.
لكن لا تنخدع، لأن التغيير ليس دائمًا نزهة في الحديقة. هناك الفوضى النفسية والسلوكية. في تقرير صدر عن مركز "آسف، تغيرنا كثيرًا"، تبين أن 40% من الناس يعانون من التوتر والقلق بعد حدوث تغييرات كبيرة في حياتهم.
والسبب بسيط: نحن البشر نحب منطقة الراحة، وكلما أُخذت منا، نشعر كأن العالم يتآمر ضدنا. هذا القلق النفسي ينعكس على السلوكيات اليومية؛ فقد تجد شخصًا اعتاد الهدوء يثور لأبسط الأسباب، أو آخر يبدأ في تبني سلوكيات جديدة بحثًا عن الاستقرار المفقود.
التغير المجتمعي هو الآخر يأتي بتداعياته، إذ تتغير أنماط التفاعل الاجتماعي. نجد مثلًا أن المجتمعات أصبحت أكثر انفتاحًا على التنوع الثقافي، لكن في المقابل ارتفعت مستويات الفردانية والعزلة الاجتماعية. وفقًا لتقرير من "مركز التغيير الاجتماعي"، فإن التغيير الثقافي السريع أدى إلى زيادة في التباعد بين الأجيال بنسبة 30%، حيث يشعر الشباب بأن قيمهم تختلف تمامًا عن تلك التي يحملها الجيل الأكبر.
التكنولوجيا، رغم أنها محرك للتغيير، لها أيضًا تأثيراتها الجانبية. صحيح أننا انتقلنا من استخدام الحمام الخارجي إلى التحدث إلى المرحاض الذكي الذي يقيس صحتنا، لكن كل هذا التقدم التقني خلق مشاكل جديدة. وفقًا لتقرير من "مركز الابتكار والتأقلم"، ارتفعت نسبة الإدمان على التكنولوجيا بنسبة 25% في العقد الماضي، مما أدى إلى زيادة معدلات العزلة الاجتماعية والتغيرات السلوكية المرتبطة بالتفاعل الإنساني.
في نهاية المطاف، لا مفر من التغيير. إنه مثل ضيف ثقيل يطرق بابك في منتصف الليل، وأنت لا تملك خيارًا سوى استقباله. قد يجلب معه الفوضى، وربما القليل من الألم، لكنه يفتح أيضًا أبوابًا لفرص جديدة. سواء كان التغيير مجتمعيًا أو سلوكيًا، يبقى جوهره في إعادة تشكيل الحياة، وإعادة توجيه البوصلة نحو مستقبل مليء بالتحديات.. ولكن أيضًا بالفرص.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/08 الساعة 10:31