حدادين يكتب: قراءة في ملف اللاجئين الفلسطينيين في الأردن

المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين
مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/02 الساعة 12:09

تتعامل المملكة الأردنية الهاشمية مع ملف اللاجئين الفلسطينيين بأهمية بالغة لوجود سمات كثيرة مشتركة بين الشعبين والروابط العائلية القوية اضافة للسياسة التي انتهجتها الدولة الأردنية بمنحهم كافة حقوق المواطنة، دون المساس بحقوقهم الأساسية في فلسطين وحقهم بالعودة، وبذلك تكون الأردن هي الدولة العربية الوحيدة التي استقبلتهم على أراضيها كمواطنين أصيلين فيها دون دفعهم إلى التخلي عن هويتهم الوطنية. واليوم، يعيش أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، حوالي 2,000,000 نسمة، في الأردن وقد حصل أكثر من 90% من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا على حقوق المواطنة الكاملة وأغلبهم منحدرين من الضفة الغربية، كما انتقل معظم لاجئي فلسطين من المخيمات إلى أجزاء أخرى من الأردن وتسبب هذا في قيام الأونروا بتقليص الميزانية المخصصة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن.

ثار مؤخراً ملف اللاجئين الفلسطينيين منذ اندلاع أحداث الـ ٧ من أكتوبر 2023 في غزة وازدادت المخاوف منذ بدء الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية التي بدأ فيها منذ عدة أيام بزعم تفكيك خلايا ارهابية في الضفة الغربية. وتقوم فلسفة السياسة الاسرائيلية في مشروعها في قضية اللاجئين على أساس إلغاء كامل لحق العودة الفردي والجماعي بإلغاء مسمى لاجئ وحشره ضمن مجموع عموم اللاجئين في العالم، وتحاول خلق انطباع بالمساواة بين اللاجئ الفلسطيني ومواطني الدولة الحاضنة، وبذلك يكون هناك إلغاء واضح للبُعد الدولي والقانوني لقضية اللاجئين عبر استهداف الأونروا وإلغائها كغطاء أممي وقانوني للاجئين الفلسطينيين وبالتالي إنهاء الالتزامات الدولية تجاه اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، في محاولة لتصفية القضية والبحث عن حلول مشبوهة لإنهائها. إن الحل العادل لمشكلة اللاجئين وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242 يجب أن يقود إلى تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 وهو أنه يحق لكل اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام أن يفعلوا ذلك من دون تقييد عمومية مصطلح "لاجىء" وأن يتمتع اللاجئون العائدون بحقوق مدنية واجتماعية كاملة وتقديم الحماية لهم ضد التمييز، ولا سيما في العمل والتعليم وحق التملك.
قامت اسرائيل بعمليات طرد مباشرة ومقصودة ومخطط لها للفلسطينيين، إضافة إلى القيام بعدد من الأعمال الأخرى التي تهدف إلى نزوح جماعي فلسطيني ومنها خلق ظروفٍ لا تطاق في مناطق معينة تحمل السكان المدنيين في نهاية المطاف على ترك منازلهم والانتقال إلى دول أخرى وعلى رأسها المملكة الأردنية الهاشمية. لذلك يجب تنشيط الذاكرة حول أسماء مدن وقرى كادت تتلاشى إلا من أفواه اللاجئين منها وخصوصاً إنه قد سبق إزالتها تماماً وأقيمت على أنقاضها مستوطنات إسرائيلية بأسماء بديلة. ويتحمل الأردن المسؤولية الأخلاقية لإدماج اللاجئين الفلسطينيين في بلادهم وذلك للبعد الوطني والبعد الإقليمي والبعد الدولي والالتزام بالشرعية الدولية التي أقرتها مواثيق وقرارات وأعراف الأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة، ولكن يجب السعي بعدم إبقاء الشعب الفلسطيني المُهجّر في طي النسيان وعدم السماح بمخططات تهجير جديدة بحق الشعب الفلسطيني ونبذ مفهوم الوطن البديل الذي يسعى له الكيان الاسرائيلي. لكن في الوقت الذي لا يمثل فيه القانون الدولي الدواء الشافي لجميع المخاطر والتحديات فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، إلا أنه قد يساعد في عدم توسعة رقعة التهجير وزيادة أعداد اللاجئين وتحويل تيار السياسة لصالح الوصول إلى حماية فعالة للشعب الفلسطيني.
ختاماً نرى أنه يجب على الدولة الأردنية محاربة مساعي تهجير المزيد من الفلسطينيين وذلك لتجنب خطر ديموغرافي وخطر نسيان حق العودة ولقطع الطريق على ما يمسي بمشروع الوطن البديل. وهذا فعلاً ما أكده جلالة الملك عبد الله الثاني حيث أنه حذر من محاولة "تهجير" الفلسطينيين إلى الأردن، مضيفا أنه يجب التعامل مع الوضع الإنساني داخل حدود قطاع غزة والضفة الغربية وأن أية محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبب في نزوحهم هو أمر مرفوض مؤكداً جلالته ضرورة عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/09/02 الساعة 12:09