هندسة الأرحام
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/28 الساعة 04:13
كنا نعتز بالمهندسة العراقية (زها حديد) التي تركت إرثا في عالم الهندسة, ونقدمها على أنها أيقونة عربية مهمة في العالم..
كنا نعتز بكوكب الشرق أم كلثوم التي امتلكت حنجرة لا يوجد لها مثيل.. كنا نعتز أيضا بالرياضيات المغربيات اللواتي حصدن الذهبيات في أولمبياد روسيا وفرنسا وغيرهما..في العالم العربي أيضا كنا نعتز بالمخرجة (رشا الشربجي) التي أنتجت أهم الأعمال الدرامية... كنا نعتز بالمثقفة والسياسية (بثينة شعبان)... وياما أخذت (نوال السعداوي) من حواراتنا وقدمها البعض على أنها المرأة الثائرة على النمطية والموروث...في العالم العربي أيضاً، ياما كتبنا عن سعاد الصباح وقصائدها.. ياما فردت المجلات مقتطفات من حوارات لسيدات أعمال..أمام كل ذلك ماذا نقول عن نساء غزة؟.. هناك لم تقم النساء بتقديم نماذج في العمارة مثل المهندسة العراقية (زها حديد) والتي وفرت لها بريطانيا الفضاء, هناك أقمن أهم نموذج في هندسة القيم والصمود والصبر.. أضفن علما جديدا أيضا, هو هندسة الرحم المؤمن..لا أظن أن الرحم الذي أنتج فتى في الـ (20) من عمره, يهجم على الدبابة بقدم عارية ويضع العبوة ثم ينحرها ويعود لعرينه.. لا أظن أن رحما في العالم يقدر على إنتاج هندسة في البطولة والشجاعة مثل هذه الهندسة.. ولا أظن أن أنواع الهندسة المعروفة في كليات العالم تستطيع أن تنتج ما نسميه هندسة الصبر والإيمان مثلما أنتجت النساء في غزة.. هن لم يقمن بصناعة الخطوط المستقيمة عبر (المسطرة).. بل قمن بصناعة الإيمان عبر خط مستقيم هو الإصبع.. الذي تحرك مطلع الفجر متشهدا, واهتزت معه السماوات وفلسطين وكل التراب الطاهر المنثور على قبور الشهداء..هل ذكرت الرياضيات العربيات اللواتي شاركن في سباقات المضمار لـ(100) متر...؟ النساء في غزة ركضن من شمالها إلى جنوبها, ولم يكن هنالك تشجيع ولا بعض الحكام الذين يراقبون المضمار.. ولا أطباء يتدخلون إن تعرضت إحداهن لشد عضلي, بل كانت القذائف تسقط من اليمين ومن الشمال.. وكان هم كل أم هاجرت أن تنجو بوليدها, وأن تحمي أطفالها.. وبعضهن حتى الشهادة الرحيمة لم تحصل عليها, بل جاءت القذائف بشكل مباشر عليها.. لملموا أشلاءها التي اختلطت مع أشلاء الأطفال.. ودفنوها على عجل.. ثم مضوا, ماذا نقول عن هذه الأم.. هل نقول إنها بطلة.. إن البطولة أصغر بكثير من صبرها.. هل نقول إنها كانت ملهمة للنساء في العالم العربي؟.. أنا أقول غير ذلك كله، أقول إنها كانت معجزة إيمانية عظيمة..ماذا سأكتب عن نساء غزة وهل سيتسع المقال لبوحي.. نعم هن وقفن خلف المايكريفونات, وصدحن بصوت عال قلن للمذيع بلكنة غزاوية لا تعرف إلا النصر: (والله لو انموت كلنا هون ما رح نطلع من هاي الأرض).. وواحدة قالت: (فلسطين غالية بدها دم وشو ما دفعنا بنظل مقصرين معها)...ماذا سيكتب في قواميس النسوية العربية عن الأمهات في غزة؟...وهل ستقام بعض الندوات في الفنادق الفاخرة لقراءة تقارير جمعيات (الأن جي أوز) حول تأثر المواليد بأصوات القذائف؟...أظن أن التاريخ سيعجز عن الكتابة عنهن، التاريخ في غزة أحيل للتقاعد.. لأن صفحاته لا تجرؤ أمام هذا الجبروت أن تحتمل..أصلا لايوجد لغة تتسع لوصف هذا الجبروت.. ولا صبر في الدنيا كلها يعادل صبر النساء في غزة.. هن أكبر من دجلة بكثير وليعذرني دجلة.. والدمع في عيونهن أهم من بردى..أما صبرهن فحتى النيل لايستطيع حمله.. وكل النخل في عالمنا العربي الذي نبت منذ أن ابتدأت الخليقة كلها..ومهما ارتفع لن يداني رفعتهن ولا بطولتهن ولا صبرهن العظيم..النسوة في غزة وحين تنتهي الحرب...ستخجل عيون الكثيرين من النظر إليهن، لأنهن اللواتي قلبن للعالم ظهر المجن..وعلمن الدنيا معنى الإيمان ومعنى الصبر...وأجزم أن مراكز الأمومة والطفولة ستتغير في غزة هنالك لايوجد طفولة بل يوجد رجولة..كل طفل يولد رجلا..والأمومة لم تعد حنانا وحبا وقبلات ورضاعة, بل هي فلسطين التي ترضع أولادها البسالة وتعلم النساء فيها معنى أن يغزلن من خيوط الفجر الأولى كوفية وعلما ويصنعن (باغة) للبندقية...بعد انتهاء الحرب, وبعد لملمة الوجع..بعد انتهاء كل هذا الجنون والإجرام والذبح....سيعرف العالم وفي مقدمته عالمنا العربي, معنى هندسة الرحم.. معنى: أن تلد الأنثى في غزة رجلا.. معنى: أن يكتب على جبينه من لحظة الولادة بأنه (شهيد).. ومعنى: أن تنتج الأرحام المعجزات..هي فلسطين.. فلسطين وحدها الحقيقة وما دونها مجرد حلم.
كنا نعتز بكوكب الشرق أم كلثوم التي امتلكت حنجرة لا يوجد لها مثيل.. كنا نعتز أيضا بالرياضيات المغربيات اللواتي حصدن الذهبيات في أولمبياد روسيا وفرنسا وغيرهما..في العالم العربي أيضا كنا نعتز بالمخرجة (رشا الشربجي) التي أنتجت أهم الأعمال الدرامية... كنا نعتز بالمثقفة والسياسية (بثينة شعبان)... وياما أخذت (نوال السعداوي) من حواراتنا وقدمها البعض على أنها المرأة الثائرة على النمطية والموروث...في العالم العربي أيضاً، ياما كتبنا عن سعاد الصباح وقصائدها.. ياما فردت المجلات مقتطفات من حوارات لسيدات أعمال..أمام كل ذلك ماذا نقول عن نساء غزة؟.. هناك لم تقم النساء بتقديم نماذج في العمارة مثل المهندسة العراقية (زها حديد) والتي وفرت لها بريطانيا الفضاء, هناك أقمن أهم نموذج في هندسة القيم والصمود والصبر.. أضفن علما جديدا أيضا, هو هندسة الرحم المؤمن..لا أظن أن الرحم الذي أنتج فتى في الـ (20) من عمره, يهجم على الدبابة بقدم عارية ويضع العبوة ثم ينحرها ويعود لعرينه.. لا أظن أن رحما في العالم يقدر على إنتاج هندسة في البطولة والشجاعة مثل هذه الهندسة.. ولا أظن أن أنواع الهندسة المعروفة في كليات العالم تستطيع أن تنتج ما نسميه هندسة الصبر والإيمان مثلما أنتجت النساء في غزة.. هن لم يقمن بصناعة الخطوط المستقيمة عبر (المسطرة).. بل قمن بصناعة الإيمان عبر خط مستقيم هو الإصبع.. الذي تحرك مطلع الفجر متشهدا, واهتزت معه السماوات وفلسطين وكل التراب الطاهر المنثور على قبور الشهداء..هل ذكرت الرياضيات العربيات اللواتي شاركن في سباقات المضمار لـ(100) متر...؟ النساء في غزة ركضن من شمالها إلى جنوبها, ولم يكن هنالك تشجيع ولا بعض الحكام الذين يراقبون المضمار.. ولا أطباء يتدخلون إن تعرضت إحداهن لشد عضلي, بل كانت القذائف تسقط من اليمين ومن الشمال.. وكان هم كل أم هاجرت أن تنجو بوليدها, وأن تحمي أطفالها.. وبعضهن حتى الشهادة الرحيمة لم تحصل عليها, بل جاءت القذائف بشكل مباشر عليها.. لملموا أشلاءها التي اختلطت مع أشلاء الأطفال.. ودفنوها على عجل.. ثم مضوا, ماذا نقول عن هذه الأم.. هل نقول إنها بطلة.. إن البطولة أصغر بكثير من صبرها.. هل نقول إنها كانت ملهمة للنساء في العالم العربي؟.. أنا أقول غير ذلك كله، أقول إنها كانت معجزة إيمانية عظيمة..ماذا سأكتب عن نساء غزة وهل سيتسع المقال لبوحي.. نعم هن وقفن خلف المايكريفونات, وصدحن بصوت عال قلن للمذيع بلكنة غزاوية لا تعرف إلا النصر: (والله لو انموت كلنا هون ما رح نطلع من هاي الأرض).. وواحدة قالت: (فلسطين غالية بدها دم وشو ما دفعنا بنظل مقصرين معها)...ماذا سيكتب في قواميس النسوية العربية عن الأمهات في غزة؟...وهل ستقام بعض الندوات في الفنادق الفاخرة لقراءة تقارير جمعيات (الأن جي أوز) حول تأثر المواليد بأصوات القذائف؟...أظن أن التاريخ سيعجز عن الكتابة عنهن، التاريخ في غزة أحيل للتقاعد.. لأن صفحاته لا تجرؤ أمام هذا الجبروت أن تحتمل..أصلا لايوجد لغة تتسع لوصف هذا الجبروت.. ولا صبر في الدنيا كلها يعادل صبر النساء في غزة.. هن أكبر من دجلة بكثير وليعذرني دجلة.. والدمع في عيونهن أهم من بردى..أما صبرهن فحتى النيل لايستطيع حمله.. وكل النخل في عالمنا العربي الذي نبت منذ أن ابتدأت الخليقة كلها..ومهما ارتفع لن يداني رفعتهن ولا بطولتهن ولا صبرهن العظيم..النسوة في غزة وحين تنتهي الحرب...ستخجل عيون الكثيرين من النظر إليهن، لأنهن اللواتي قلبن للعالم ظهر المجن..وعلمن الدنيا معنى الإيمان ومعنى الصبر...وأجزم أن مراكز الأمومة والطفولة ستتغير في غزة هنالك لايوجد طفولة بل يوجد رجولة..كل طفل يولد رجلا..والأمومة لم تعد حنانا وحبا وقبلات ورضاعة, بل هي فلسطين التي ترضع أولادها البسالة وتعلم النساء فيها معنى أن يغزلن من خيوط الفجر الأولى كوفية وعلما ويصنعن (باغة) للبندقية...بعد انتهاء الحرب, وبعد لملمة الوجع..بعد انتهاء كل هذا الجنون والإجرام والذبح....سيعرف العالم وفي مقدمته عالمنا العربي, معنى هندسة الرحم.. معنى: أن تلد الأنثى في غزة رجلا.. معنى: أن يكتب على جبينه من لحظة الولادة بأنه (شهيد).. ومعنى: أن تنتج الأرحام المعجزات..هي فلسطين.. فلسطين وحدها الحقيقة وما دونها مجرد حلم.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/28 الساعة 04:13