الطابور الخامس للإرهاب

مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/14 الساعة 00:25
من الطبيعي أن يكون لكل تنظيم وسائله الإعلامية التي يحارب بها أعداءه، ويحاول أن ينشر من خلالها فكره. ومجابهة إعلام هذه التنظيمات ليست عملية صعبة غالبا؛ لأن وسائله معروفة ومكشوفة. ولكنْ ما هو صعب، أن يكون لهذه التنظيمات «طابور خامس» بيننا، يرتدي عباءتنا، ويلبس (الشماغ الأحمر) زاعما الوطنية والانتماء، وهو في حقيقة الأمر إنما يخدم التنظيمات الإرهابية ويساندها، ويشكل مع أمثاله «طابورا خامسا» يخدمها من خلاله. نرى معالم هذا الطابور الخامس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يظهر البعض التعاطف مع الإرهابيين، وتقوم مجموعة بالتبرير لأفعالهم، بينما يقوم فريق بنشر آرائهم. كل هؤلاء من السهل التعرف عليهم، وتعقبهم، ومعاقبتهم. لكنْ هناك فريق مهم وخطير تصعب ملاحقته، والربط بينه وبين الإرهابيين، وإن كانت الصلات بينهم وثيقة، فهؤلاء ينبغي أن نتعرف عليهم لمحاصرتهم، وتجميد نشاطهم. فمن هؤلاء من ينشرون الشائعات الكاذبة عن الوطن وأهله ورجاله، ويقدّمونه على أنه في غرفة الاحتضار يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويسوّدون صورته المشرقة أمام العيون. ومن أفراد هذا الطابور الخامس من يقوم بمهاجمة المؤسسات الدينية الرسمية، وأهل العلم والفضل من أبنائها، ويعمل على اتهامهم بأبشع التهم، ووصفهم بأقبح الأوصاف، ليصل إلى نتيجة مفادها الدعوة إلى إلغاء المؤسسات الدينية، والتعليم الديني في المدارس والجامعات، وبهذا يكون الإرهابيون هم البديل الناجح، فالطبيعة لا تقبل الفراغ، ومجتمعاتنا العربية مجتمعات متدينة، فإن حجبنا عنهم التعليم الديني والتوجيه الديني الوسطي والرسمي، وأعني بالرسمي أنه محاسب على ما يقول، فلا يتكلم بلا مسؤولية أو رقابة أو محاسبة، فالمؤسسات الدينية الرسمية، تمثل التدين الذي تتبناه الدولة، وهي محل متابعة وتحاسب على كل حرف؛ لأنها تمثل الدولة، ولا أقول الحكومة، بل الدولة الأردنية، بكل مكوناتها، فإن حجبنا عن الناس هذه المؤسسات الوسطية الملتزمة سيحلّ المتطرفون مكانهم. والعجيب أن هذا الطابور يدعو لإلغاء هذه المؤسسات الوسطية بتهمة هي أنها تفرخ الإرهاب، وكما يدعو إلى إلغاء كليات الشريعة من الجامعات بحجة أنها تنتج الإرهاب، وأسأل: كم عدد من انتمى لمنظمة إرهابية من خريجي تلك الجامعات؟ لا أحسبهم –إن وجدوا- يتجاوزن أصابع اليد الواحدة في كليات خرّجت وتخرج الآلاف، وأظن أن هؤلاء-إن وجدوا- هم أصلا متطرفون قبل دخولهم الكليات وبعدها. فلو صدق زعم هذا الطابور لكنا نعيش في بيئة «داعشية» بامتياز، والواقع يكذب هذا الزعم والادعاء، فبان كذبهم وافتراؤهم. إن المؤسسات الدينية الرسمية هي من يتبنى ويروّج لـ»رسالة عمان»، و»كلمة سواء»، وتحتفل بـ «أسبوع الوئام بين الأديان»، وهي التي تعبّر عن المزاج الديني المعتدل للأردنيين، وحبهم للوسطية، وبهذا شهد القاصي والداني. ثم يلجأ الطابور الخامس للإرهابيين إلى مهاجمة بعض الأحزاب أو الجماعات أو المؤسسات الدينية غير الرسمية، والتي - سواء اتفقنا أو اختلفنا معهم- تسير على نهج الوسطية والاعتدال، حيث لم يعهد عنهم أنهم مارسوا العنف أو التطرف، بل كانت مواقفهم وقت الأزمات منحازة للوطن والمواطن. فإن نجح هذا الطابور في اغتيال هذه الأحزاب المدنية والمؤسسات غير الرسمية الوسطية، فما البديل؟ إنه
التطرف والإرهاب. وهكذا تصبح خطة الطابور الخامس للإرهاب مكشوفة وواضحة، وملخصها: العمل على اغتيال شخصيات علماء الدين المعتدلين، وتشويه المؤسسسات الدينية الرسمية، واستبعاد الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني من ذوي الاتجاه الديني المعتدل. ليحل الإرهابيون والمتطرفون مكانهم، ويتحول المجتمع إلى فوضى عارمة، بين انحلال مخيف، وتشدد مرعب. لذلك أدعو إلى اليقظة مما يبثه هذا الطابور المأجور من سموم، وتنبيه الناس وتحذيرهم منه. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/14 الساعة 00:25