خيارات الحكومة بعد 'العطارات'

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/08 الساعة 00:42

كما كان متوقعا، خسرت الحكومة قضية العطارات التي كانت قد لجأت قبل أربع سنوات للتحكيم الدولي للبت فيما وصفته بالغبن الفاحش للتعرفة الكهربائية التي ستقوم الشركة الوطنية بشرائها من الشركة المملوكة لائتلاف استثماري صيني-إستوني-ماليزي. لجأت الحكومة إلى التحكيم لتثبت أن التعرفة المنصوص عليها في الاتفاقية تفتقر إلى العدالة، لكن وجدت هيئة التحكيم أنه لا يوجد هناك غبن فاحش في التعرفة. إذن، ما الذي تعنيه خسارة قضية العطارات فعليا؟ هذا يعني أن الحكومة ستستمر بتنفيذ الاتفاقية الموقعة مع شركة العطارات ببنودها والتزاماتها المالية والإدارية والقانونية والاقتصادية المنصوص عليها، بما في ذلك كل التبعات المالية المرتبطة بها (حوالي 34 مليون دينار شهريا تقريبا)، وفي ضوء ذلك، تواجه الحكومة الأردنية الآن عدة سيناريوهات محتملة يجب النظر فيها بحذر شديد. أولا، من المرجح أن تبدأ الحكومة مرحلة جديدة من التفاوض مع الجانب الصيني والشركاء الآخرين حول التعرفة، ومن المحتمل كما يعتقد البعض أن يكون الموقف الصيني أكثر تصلبا؛ نظرا لأن الحكومة خسرت في التحكيم. ومع ذلك، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن هذه الاتفاقية تمتد لمدة 30 سنة، ولا يمكن تصور أن تستمر الخلافات طيلة هذه الفترة، لذلك، فإن الحلول الودية والتفاهمات المتبادلة هي السبيل الوحيد للتوصل إلى نتائج منطقية تضمن استمرار العمل بالمشروع. ثانيًا، يمكن للحكومة الأردنية أن تدرس شراء المشروع بالكامل أو الدخول كشريك فيه، وهذا قد يتيح لها ليس فقط السيطرة على المشروع، ولكن أيضا جني الأرباح المستقبلية إن وجدت. أيضا، هناك سيناريوهات تتعلق باتخاذ إجراءات معينة مثل تمديد مدة القرض الممنوح للمشروع من 15 سنة إلى 30 سنة، مقابل الحصول على خصومات في التعرفة بنسب محددة يتم الاتفاق عليها، وهذه الخطوة يمكن أن تكون حلاً وسطا يرضي جميع الأطراف، ويضمن تحقيق بعض المكاسب المالية. ثالثًا، ومن بين السيناريوهات الأخرى، يمكن للحكومة أن تبحث عن حلول تتضمن تقاسم الأرباح مع الشركاء أو الدخول في شراكات استراتيجية جديدة. كل هذه الخيارات مفتوحة ومتاحة أمام الحكومة، لكن يجب دراستها بعناية فائقة لضمان تحقيق أفضل النتائج الممكنة. رغم خسارة القضية، لا تترتب على الحكومة الأردنية أي تكاليف مالية إضافية أو شروط جزائية، لأن هيئة التحكيم لم تلزم الحكومة بدفع أي تعويضات للطرف الآخر، وتحمّل كل طرف تكاليف التحكيم الخاصة به، والتي تقدر على الجانب الأردني بحوالي 13 مليون دولار تشمل تكاليف مكتب استشارات قانونية إنجليزي، والذي استعان هو الآخر بمستشارين ماليين وقانونيين وفنيين من جهات متعددة، ومنها أردنية أيضا. للعلم، مشروع العطارات يعمل بشكل إيجابي اليوم، ويزود المملكة بحوالي 470 ميغاواط، والتي باتت المملكة بحاجة إلى استهلاكها الفوري؛ نظرا لتزايد الأحمال الكهربائية في السنوات الأخيرة، بمعنى أن الحكومة بحاجة إلى مشروع العطارات وما ينتجه من وقود نتيجة الحرق للصخر الزيتي. النقطة الأهم التي يجب التأكيد عليها هي مسؤولية الحكومة في إدارة هذا الملف، إذ إن هناك من يرى أن التوقيع على مثل هذه الاتفاقية منذ البداية كان نتيجة سوء التخطيط من قبل الحكومات السابقة والمسؤولين المعنيين، وعدم القدرة على التنبؤ بالتبعات الاقتصادية والمشاكل المحتملة لهذه الاتفاقية يعكس نقصا في الكفاءة والرؤية الإستراتيجية. الخلاصة، خسارة قضية العطارات تضع الحكومة الأردنية أمام تحديات كبيرة، ولكنها أيضا تفتح الباب أمام فرص جديدة للتفاوض وتحسين شروط الاتفاقية، فالإدارة الحكيمة والمفاوضات المستمرة قد تؤدي في النهاية إلى حلول تعود بالنفع على الاقتصاد الأردني، وتضمن استدامة المشروع بطريقة تلبي مصالح جميع الأطراف. الحكومة الآن بحاجة إلى خطة محكمة وتنسيق متواصل مع الشركاء الدوليين لتعظيم الاستفادة من المشروع الحيوي الذي حصرت مشكلته اليوم في بند التعرفة التي في اعتقادي أنها نقطة قابلة للتفاوض، وتحقيق مكاسب مستدامة للمستقبل.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/08 الساعة 00:42