اسماعين

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/01 الساعة 05:08
لا أعرف ماذا سأكتب, لكننا اعتدنا دوما أن نفرح بالشهداء..لا أن نلطم أو نحزن أو نستكين, ما بالكم إذا كان الشهداء من مستوى القادة وبحجم (اسماعين)...لا أريد أن أقول: (اسماعيل)..بل سأناديه كما كنا نلفظ الاسم في طفولتنا (سماعين)...
قرأت في الأخبار يا (اسماعين) أنهم سيحضرون جسدك من طهران كي تدفن في الدوحة ظهر الجمعة, أنت عشت بجانب البحر في غزة وهذه فرصة..أن تدفن قريبا من البحر أيضا, هذه فرصة أن تحضر غزة جنازتك..حتما ستأتي بالشهداء والأطفال والبيوت المهدمة سـتأتي كي تشارك في التشييع بكل جبروتها وعزتها, فلا تتردد بأن تدير الرأس قليلا باتجاه اليمين قبل أن تسجي في مستقرك الأخير, هي تحتاج أن تطبع قبلة على خدك فقد أحبتك بمثل ما أحببتها وكنت وفيا لكل ذرة تراب فيها.وهذه مناسبة لكي تعرف الناس في الدوحة وعمان..في دمشق وبغداد والقاهرة في بيروت والخرطوم وصنعاء..أن كل دمعة ضعف تعني الهزيمة, إياكم والضعف...فلسطين لا تحتاج في هذه اللحظة للضعف والمعنويات المهزوزة, تحتاج منا جميعا أن نطلق ابتسامة المنتصر..لأن الشهادة هي بحد ذاتها انتصار للمؤمن وهزيمة (لأولاد الحرام)...لقد دخلت التاريخ الان, من بواباته الكبرى...دخلته وأنت تمشي تحت الشمس مباشرة, ولم تكن سائرا في ظل أحد أبدا, وحدك تحت الشمس...وسيأتي الزمن الذي يكتب التاريخ فيه عنك, أنك القائد الزاهد, فقد خرجت من هذه الدنيا بكفك الفارغة وبعائلة استشهد نصفها..خرجت من الدنيا لا تملك غير بيت مهدم في غزة..لم تصل في حياتك عاصمة أوروبية كي تستجم فيها, منفيا في العواصم مطاردا..وأمضيت العمر إما مجاهدا وإما راكعا, وإما مقاتلا....أي حياة تلك التي اخترتها...لولا خوفي أن يفسر كلامي في غير محله, لقلت أنك من زمن غير زمننا..أنت من زمن (ابو ذرالغفاري)...تعلمت الزهد على يديه, وأتقنت حديث السيف وحديث الوطن وحديث الكبرياء والعز.التقيته هنا في عمان, وكان يرسل لي بسلامه من الدوحة...نم قرير العين يا ابن فلسطين, وأنت تسجى في حضن تراب عربي تذكر...أن التاريخ سيعبر من عند قبرك, وسيعطر حروفه بتراب القبر, تذكر أن كل بيت هدم في غزة وحين يعاد البناء سيعلقون في صدره صورتك, تذكر أن كل الشهداء سيقرأون عليك الفاتحة, وحين تصعد إليهم سيحملونك على أكفهم..وربما سيذكرك طفل من الشجاعية بزيارة قمت بها لمدرسته, وحملته على صدرك وطبعت على جبينه قبلة من الحب أشهى من تين فلسطين...سيرد لك القبلة ويحتضنك..تذكر أنك حين تصعد لعليين سيترك جسدك في مسار الصعود..رائحة الورد والعنبر والمسك, وستأتي كل الطيور وكل الغيوم.. كي تتبرك بمسار الصعود..لقد بكيت يا (اسماعين) هذا الصباح, تذكرت كيف احتضنت كف يدك..يدي, تذكرت حرارة الكف والقبل التي تبادلناها في عمان هنا...هذا الصباح عادت صورتك وابتسامتك لقلبي...الحمد لله يا (اسماعين) الحمد لله.....وإذا قدر لي أن أزور قبرك في الدوحة..لن أضع عليه وردا, من مثلك يعرف البارود ولا يعرف الورد..بل سأقوم بسكب القليل من زيت فلسطين إلى جوار رأسك...وحتما سيضيء الزيت إن مس ترابا يحتضن جسد شهيد..رحمك الله.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/01 الساعة 05:08