نظافةُ (اليد والثبات)
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/30 الساعة 01:11
يبقى من الحيف أن يضع المواطن كل المخزون الحزبي في سلة واحدة، باعتبارها صنيعة الدولة في النهاية وتشكل امتدادا طبيعيا لجسدها ومكوناتها ومصالحها. فالأحزاب متباينة في دواعي تأسيسها وانطلاقها وشخصياتها، في إطار تدبيرها للمرحلة السياسية والمشهد التي تمر بها المملكة، فهي تدفع إلى الانتساب وفق سياستها ومعطياتها، هذا الدفع يتمظهر أحيانا بشكل إغرائي واخر إقناعي بجدوى العمل، وهذا ما حكم علاقة الأحزاب بالمجتمع احيانا ضربته تجربة أوتوقراطية سابقة غلب عليها التضييق منذ تأسيسها وبعد رفض بعضها رفضا قاطعا المشاركة في العملية السياسية بالشروط المرسومة أبعادها من قبل السلطة كما يدعون.
كما تتباين الأحزاب في مواقفها ولونها الإيديولوجي، وكذلك في قناعاتها السياسية في التغيير وطرقه، وتظل نظافةُ (اليد والثبات) على المواقف أهم محدد للانحياز الإيجابي بعيدا عن أيِّ محدد آخرَ كان دينيا أو فكريا، لذلك من الظلمِ وسوءِ التقدير أن نساوي بين حزب واخر.
لا شك أن تشهد المراحل الانتقالية أزمات عديدة، ومشكلات ومعوقات كبيرة، ولأننا نمر بمرحلة سياسية جديدة، فوقوع الاخطاء كان واردا، لكن ليس بهذه الصورة التي تطلق السهام من قبل البعض لتشويه العملية السياسية برمتها؛ وهذا ما نمر بها اليوم، فما يحدث الان فاق التوقعات والمشكلات، ولا أظن أن مرحلة انتقالية ما، شهدت ما تشهده الساحة السياسية اليوم من اطلاق حملات تشويه مقصودة تجاه بعض الاحزاب بعينها وشخصياتها وعملية التحديث السياسي بكليتها، ولا نعرف إلى متى ستستمر، وقد أدرك الجميع أننا بحاجة الى احزاب قوية وهي تقوى وتشتد بانتساب الكثير.
لكن، أيضا، لا يمكن للمواطن أن يرحم أي حزب مهما بلغت درجة نظافته ومشروعية تأسيسه والتزامه بالبعد الديني ما لم يبد استعدادا كافيا للنهوض بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، بل ما لم ينجح في تنزيل "رؤيته الإصلاحية" ووعوده الانتخابية السخية التي أطلقها وتعهد بها أمام الناس.
إن ما يحدث للأحزاب السياسية التي تلت المراحل السابقة من الحياة السياسية في الأردن أيضاً لها يد فيما يجري، فحين تسلمت السلطة بتلك الأحزاب شخصيات تُعرف بالسعي نحو الأوتوقراطية، والتفرد بالقرار لمدة طويلة، كانت سبباً كبيراً في انتشار الأزمات، وفقدان الثقة بالمؤسسة الحزبية والبرلمانية، وسياستها ذات المنهج اللامتزن، ما جعلت الساحة مهيأة لفقدان الثقة باي عمل حزبي.
لكن هذا ليس من المقبول ان يبات حكما على المرحلة السياسية الحالية بالفشل، فنحن امام نقطة تحول وانطلاقة جديدة وتاريخية فيما يتصل بطبيعة العمل الحزبي والسياسي كونه المشروع الإصلاحي وخيار الدولة بضمانات جلالة الملك في المجالات والمسارات كافة، ويكون مختلفا تماما عن المراحل والتجارب السابقة بكثير من المقاصد لا سيما في ممارسة العمل الحزبي ودور الاحزاب في المشهد الوطني وارتكازها على البرامجية التي ستحدد اختيار الناخب لما يريد خلافا لما كان سابقا.
والتفاؤل بنجاح التجربة الحزبية الجديدة بمحاكاة ومعاينة الواقع بشكل تدريجي يقود الى التوسع فيها مستقبلا وتطويره وصولا لغاية ورسالة العمل الحزبي الوطني وهو الوصول إلى السلطة التنفيذية وتداولها.
وأعتقد ان لدينا فرصة مهمة ومفصلية لاستغلالها كمواطنين واحزاب لولوج حالة سياسية حزبية جديدة تعتمد البرامجية القادرة على كسب الثقة والتأييد الشعبي والرهان على نجاحها وتقدمها بقدرة الاحزاب تقديم برامج مقنعة وواقعية تحاكي الواقع المعيشي الصعب للمواطن وعدم التنصل من مسؤولياتها اذا ما وصلت للبرلمان.
لذا، تتحمل الأحزاب مسؤولية تعزيز تلك القناعة وتلك الثقة الجماهيرية بها لتمثل مشروعا أردنيا طالما شكل حلما للأردنيين تتسابق به الأحزاب لخدمة الأردن والأردنيين، وتسعى به للتخلص من التجارب غير الناضجة، وفي ذات السياق فان فشل التجربة تترتب عليه مخاطر كبيرة.
فالدولة الأردنية أوفت بالتزاماتها بتشريعات جديدة تدفع بالحياة الحزبية نحو الأمام بالمحافظة على الهوية الأردنية ومكوناتها بقي ثبات الاخرين في الوفاء بالتزاماتهم ووعودهم.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/30 الساعة 01:11