صبري ربيحات يكتب: نتانياهو وخطاب الكونغرس.. هل من جديد؟

د. صبري ربيحات
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/25 الساعة 20:46
لا اظن ان احدا خارج النازية الصهيونية الجديدة واعوانها فكر او توقع ان يقول نتانياهو في خطابه اقل مما قال...فكلنا يعرف ان الخطاب جاء بناء على ترتيبات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وبدعوة من زعيم الاغلبية الجمهورية في مجلس النواب وفي سياق المماحكات الدائرة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في اكثر الاوقات انقساما واستقطابا بينهما
ففي وقت تشهد فيه الولايات المتحدة تخبطا غير مسبوق في سياساتها الخارجية والداخلية وخروج هذا التخبط الى العلن لمستويات تهدد الصورة الذهنية للرئاسة التي التزم بها ما يزيد على أربعين رئيسا سابقا وظهور بعض الحوادث التي شكلت تهديدا لمستقبل الاتحاد بعد ان لوحت بعض الولايات بالانفصال واحتمالية تغير شكل النظام السياسي في ضوء تهديدات اليمين المتطرف برفض نتائج الانتخابات ان لم تأت بما يرضيهم يأتي هذا الخطاب.
هذه العوامل وغيرها كانت وراء الانشقاق في صفوف المشرعين واستقالة بعض من عملوا على ملفات الشرق الأوسط وانتقاد بعض الرسميين في الخارجية والبنتاجون للدعم غير المسبوق وغير المشروط لعمليات الجيش الاسرائيلي وحملات التدمير والابادة التي ينفذها الكيان في غزة بحجة الدفاع عن اسرائيل وملاحقة الاشرار كما يحلو للغرب وبعض العرب ان يطلقوا على المقاومة الفلسطينية الباسلة...
خطاب نتانياهو أمام الكونجرس الامريكي لم يكن الخطاب الأول فهذه هي المرة الرابعة التي يقف فيها مخاطبا الامة الامريكية من خلال مجالسها المنتخبة. لكنها المرة الأولى التي يتغيب فيها ما يزيد على ثمانين عضوا من المجلسين عن الخطاب ويصرح بعضهم علنا بانهم لن يشاركوا في الاستماع إلى رواية سفاح يرى انه مركز العالم ولا يهمه اسرائيل ولا امنها بمقدار ما هو معني باطالة أمد حكمه بالاصرار على ادامة الحرب وابادة الاطفال والنساء واتباع كل اساليب القتل والتدمير والتجويع وحرمانهم سبل العيش الانساني الكريم.
لقد غابت كاميلا هاريس رئيسة مجلس الشيوخ والمرشحة المحتملة للرئاسة عن الحزب الديمقراطي كما تغيبت نانسي بيلوسي العضو الابرز لمجلس النواب والرئيس السابق له عن جلسة الخطاب في الوقت الذي صفق الجمهوريون بحرارة واستقبله الديمقراطيون بحرارة اقل وربما بشيء من الفتور .
حمل الخطاب الطويل الذي اعده نتانياهو بعناية الكثير من الأكاذيب والادعاءات الباطلة وشن هجوما كاسحا على كل جهة عالمية او امريكية او اممية لا تتفق مع نزعته العدوانية وتؤيد حملته المسعورة لابادة شعب اعزل بحجة الدفاع والانتقام . وزرع بذرو جديدة لحربه القادمة ضد ايران التي اتهمها بانها وراء كل تهديد لإسرائيل وامريكيا واصدقائه العرب.
على مدرجات الكونجرس لم يكن نتانياهو بحاجة الى منطق ولا شواهد وبراهين فالخطاب في مدرج المناصرين والكل جاهز للتصفيق والصراخ والوقوف عند نهاية كل جملة او المرور على مفردات النصر والقتل والابادة.
باستثناء الاعضاء الجمهوريين ونسبة من الديمقراطيين الذين لا زالوا على علاقة عميقة بالايباك " اللوبي الصهيوني" راى غالبية العالم الخطاب كبيان استعراضي يحاول ان يلملم خيبات الكيان وهزائمه اليومية ويضفي على أفعاله المسعورة منطقا ليجملها ويقدمها من على منصة الكونجرس على أنها مدروسة ومسؤولة ودقيقة هدفها دفع الأخطار التي يمثلها الأشرار عن امريكيا وإسرائيل واصدقاؤها في العالم العربي.
النظرية التي عمل عليها نتانياهو ولا يزال يعمل عليها منذ ان كان شابا ليكوديا قبل خمسة عقود تقوم على فكرة خفض توقعات العرب وتغيير ثقافتهم للقبول باسرائيل والاذعان لقوتها و تخويف الزعماء العرب على انظمتهم وكراسيهم من تهديدات اي نظم عربية جديدة تقوم على اسس سواء قومية او دينية او حزبية حقيقية .
من هنا يمكن فهم اسباب البعض لمحاربة التنظيمات الدينية باعتبارها مرتبطه بالارهاب والقومية باعتبارها لا تستوعب المكونات الأخرى وحتى العلمانية منها يجري محاربتها باسم الدمقرطة وحقوق الانسان ليحل محلها مشيخات ونظم هجينة لا اساس فكري ولا عقدي لوجودها.
اسرائيل تشيطن خصومها وتحتقر حلفاؤها بعد تعريهم اخلاقيا وتساعد على افسادهم ولا تطبق ايا من القيم الانسانية في علاقتها مع ايا منهم خارج ديانتها وايدلوجيتها فالعرب وغير العرب لا يرقوا لمرتبة اليهود ولا يوجد لهم حقوق مساوية ويجري اخضاعهم بالخوف والردع والإهانة..
المشكلة ان الكيان أوجد له وكلاء في مواقع مهمة على امتداد العالم العربي ينفذون كل ما يطلب منهم دون سؤال او تأخير كل ذلك مقابل الحفاظ على مكانتهم وحماية مكتسباتهم...
نعم لقد كان الخطاب أقرب ما يكون الى بيان عسكري لقائد ميداني يعلم رؤساؤه ورفاقه بسير العمليات ويدعوهم الى توفير الدعم ورص الصفوف ويذكرهم بأسباب القتال وخصائص العدو ويتحدث عن عناصر القوة ويبرر الكبوات التي حصلت له.
بعجرفته وصلفه المعهود انتقد المحكمة الجنائية والعدل الدولية والمجتمع الدولي والمتظاهرين خارج قبة الهيلز ووصفهم وصفا قاسيا لا يليق بضيف على بلد قال إنها تحوي قلعة الديمقراطية ....هذه الغطرسة النابعة من الروح الاستعلائية لمن يعتقدون انهم شعب مختار وان البشرية وجدت لخدمتهم.
في امريكيا وفي ارجاء العالم وحتى بين الحضور وبين اعضاء الكونجرس هناك احساس بانها البيان الاخير لسياسي فقد شرعيته وقيمته ومبررات استمراره يتحدث باسم كيان رفعت الستارة عن عنصريته ووحشيته وعدوانه أمام مجلس نواب مستلب الارادة وفريدة للتضليل .
في الولايات المتحدة اليوم هناك وعي جديد وراي عام متجدد غير مرتهن الى وسائل الاعلام التقليدية التي حرفت الوقائع وزورت الاحداث وزيفت الوعي من اجل خدمة نظام الهيمنة والاستعمار الذي اسس ودعم ورعى الوجود الصهيوني على الارض العربية.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/25 الساعة 20:46