بطّاح يكتب: 'ترامب' و'هاريس': نقيضان لا يلتقيان!
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/24 الساعة 13:25
مع انسحاب الرئيس الأمريكي بايدن من السباق الرئاسي أصبحت "كامالا هاريس" مرشحة من الحزب الديمقراطي (أيّدتها غالبية أعضاء مجلس الشيوخ، وحكام الولايات، والنواب الديمقراطيين، وجمعت "تبرعات" ضخمة في فترة قياسية، بل وتفوقت على ترامب في بعض الاستطلاعات) لمواجهة ترامب في 05/11/2024، والمُلفت للنظر في المسيرة المهنية لكل منهما أنّ هنالك تناقضات غير طبيعية بينهما، الأمر الذي ينبئ بمعركة انتخابية صعبة وربما غير مسبوقة بين مرشحين، ولعلّ من أبرز هذه التناقضات ما يلي:
أولاً: أنّ "هاريس" سيدة مختصة في القانون وقد عملت كمدّعية عامة في ولاية كاليفورنيا (من أكبر الولايات الأمريكية)، أما ترامب فهو رجل مُلاحق في غير قضية قانونية، بل أُدين في قضية ما سُمي "بشراء الصمت" وإلى درجة أنّ الحزب الديمقراطي يخاطبه على أنه "مُجرم مُدان".
ثانياً: أنّ "هاريس" هي سيدة وهي الأولى في التاريخ الأمريكي التي تتبوأ موقع "نائب رئيس"، وإذا ما قُدّر لها أن تصبح "رئيسةً" للولايات المتحدة فسوف تكون الأولى بعد (46) رجلاً، ولعلّ هذه الحقيقة تكون ذات أهمية إذا ما استطاعت "هاريس" أن تستقطب الأصوات النسوية على مستوى الولايات المتحدة.
ثالثاً: أنّ "هاريس" هي سناتور (عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي) منذ عام 2017، ولذا فإنّ لديها خبرة في العمل السياسي الحكومي، وتُعد من ضمن مؤسسه النظام السياسي الأمريكي (Establishment)، أمّا ترامب فهو من خارج المؤسسة (Outsider) حيث لم يسبق له أن عمل في القطاع الحكومي قبل أن يصبح رئيساً في عام 2016، بل عمل طوال الوقت كتاجر عقارات.
رابعاً: أنّ "هاريس" تنتمي إلى الأقليات في الولايات المتحدة (والدها مهاجر من "جامايكا" ووالدتها تعود إلى أصول هندية وهي متزوجة من يهودي)، أمّا ترامب فهو يمثل الأمريكي الأبيض الذي يعود إلى أصول أنجلوساكسونية (أبيض، أنجلو ساكسوني، بروتستانتي Wasp:White, Anglo-Saxson, Protestant)، وفضلاً عن ذلك فهاريس تنتمي إلى السود (Blacks) ومعلوم أنّ السود أو ما يعرف بالأمريكيين الأفارقة (African American) في الولايات المتحدة يمثلون أقل من 10% من السكان.
خامساً: أنّ "هاريس" في مرحلة عمرية متوسطة (56 عاماً) بل هي أقرب إلى الشباب إذا ما قُورنت بترامب ذي الـ (77 عاماً) والذي سيدخل مرحله الثمانينات إذا فاز بالرئاسة في الانتخابات المقبلة.
سادساً: أنّ "هاريس" تقف على النقيض من ترامب فيما يتعلق بقضية الإجهاض (Abortion) فهي تنادي بحق المرأة في جسدها وفي القضية الإنجابية تحديداً، أما ترامب فهو مع قرار مجلس القضاء الأعلى (Supreme Court) الذي قيّد الإجهاض (كان مسموحاً به منذ عام 1973). وترك أمره للولايات.
سابعاً: أنّ "هاريس" كانت مع تقنين الهجرة إلى الولايات المتحدة وضبطها وقد عملت على ذلك أثناء عملها "كنائب رئيس" وكادت أن تصل إلى قوانين هجرة معقولة يتبناها الحزبان (الديمقراطي والجمهوري)، ولكن ترامب من خلال المشرّعين المحازبين له أفشل الخطة حيث أراد أن يظل هذا الموضوع قضية مثيرة في الانتخابات (Hot issue) يستخدمه ضد بايدن متهماً إياه بإدخال أكثر من 13 مليون مهاجر إلى الولايات المتحدة بصورة غير شرعية.
ثامناً: أنّ "هاريس" تمثل الحزب الديمقراطي الذي يعتبر أقرب إلى اليسار، والاتجاه التقدمي، وهو أقرب إلى تمثيل الأقليات، بينما يمثل ترامب "الحزب الجمهوري" الذي يعد حزباً محافظاً يُمثّل البيض الراغبين في المحافظة على "النقاء" الأمريكي (ضد المهاجرين)، والنظام الرأسمالي القائم على الليبرالية البعيدة عن أية نزعة اشتراكية.
ولعلّ السؤال المنطقي الذي يمكن أن يطرحه القارئ في هذا السياق هو: أليس طبيعياً أن يكون هناك تناقض على صعيد المسيرة المهنية بين "هاريس" و"ترامب" كمرشحين سياسيين من حزبين مختلفين؟ والواقع أنّ هذا صحيح ولكن الأمر الجدير بالانتباه بالنسبة لهاريس وترامب -كما أشرنا آنفاً- هو حجم هذا التناقض فالهوة كبيرة بينهما حقاً، وهما شخصيتان مختلفتان في كثير من الأمور الجوهرية.
ويظل السؤال الأهم: من سيفوز منهما، ومن منهما تؤهله ميزاته أكثر للكسب في السباق الانتخابي القادم؟ إنّ ذلك بالطبع لن يعتمد على ميزاتهما فقط، بل سيعتمد بدرجة أو بأخرى على المتغيرات التي سوف تحدث في الحلبة السياسية خلال المائة يوم القادمة، وبخاصة إذا تذكّرنا أنّ الولايات المتحدة دولة عظمى لها مصالح على مستوى العالم ومن الوارد جداً أن يحدث ما يَمس هذه المصالح بشكل أو بآخر ومّما ينعكس على خيارات الأحزاب ومرشحيها، وفضلاً عن ذلك فإنّ اختيار المرشح الأنسب سيظل معتمداً إلى حدٍ كبير على "الماكينة" الحزبية لكل منهما ومدى نشاطها وقدرتها على تحصيل الأموال اللازمة.
وفيما يتعلق "بهاريس" وترامب بالذات فإنّ المواطن الأمريكي لديه مرجعية معقولة حول ترامب حيث جرّبه كرئيس لمدة أربع سنوات حافلة (2016 - 2020)، أمّا هاريس فلم يسبق لها أن شغلت موقع الرئاسة، فهل هذا سوف يكون عاملاً حاسماً (Determinant factor)؟ لا أحد يعلم، والدنيا حبلى بالمتغيرات دائماً!.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/24 الساعة 13:25