صنف 'الهايبرد السياسي'.. وطريقُ الآلام

م. موسى عوني الساكت
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/21 الساعة 01:49

كَتَبَ، أ خي الطيِّب، سميح المعايطة، مقالا الخميس الماضي متسائلا: من هم حلفاء الأردن؟ في العنوان سؤال، وفي إجابته إفصاح متين، حلِّق فيها الكاتب في سرب الوطن، واضحة مراميه لكل من فوق كتفيه عقل، وبين جوانحه قلب نابض بالمودة للأردن.

وأُكْمِلُ فأقول: لكِن. يوجد بيننا فئة صغيرة مقنّعة، لا يَعْقِل أصحابها، ولا يتوكَّلون، لهم قلوب قاصرةَ الرؤية؛ ضَرَبَ اللهُ على سمعهم وعلى أبصارهم غِشاوة، فهم لا يرَوْن في الأردن وسياساته إلاّ الشوك. (عَنْزْ وَلَوْ طَارَتْ !). هي فئة تولّى أصحابها مراكز، ومناصب، ومقاعد، وعضويات، «لكن «صمتهم» عن الدفاع عن الوطن مُدَوٍّ !». وآخرين منهم،فئة أدركت الواقع، فرجعت عن غِيِّها،وخرجت بقناعةٍ تُنْصِف الأردن، وولاة أمره.
نعم نحن أمة مُمْتَحنَة في نفسها،ومالها، وعِيالها. كما وإخوتنا الفلسطينيون أُنموذج مؤلم عن المظلومين.ونحن في الأردن أنموذجا-لمن يَعْقِل ويتوكل، وقلبه على إخوته، واقفٌ في صفهم–بحدودِ إمكاناته.ولا أشِكُّ البَتَّةَ، أن جموع إخوتنا في داخل الارض المحتلة، وفي بيئتهم المُرًّة وخارجها، يتفهمون نجاعةَ مواقف الأردن منهم. نحن مُمتَحَنون كوْننا: نقف مع المظلومين ؛ ونتمتع بشفافية مناسبة مقرؤة من الصديق والحليف ؛ نأخذ الدروس بجدِّيَّة وبمرونة،وشجاعة؛ نَفرِز المعارف، والأصدقاء،وِفْقَ «مسطرة» تحدد المسافة بيننا وبينهم ؛» فطريقنا» معروف، معتدلٌ،يراعي مصلحته ولا يخجل منها ؛وعلاقاتنا مع الخصوم والأصدقاء، «محسوبة»، «مقروءة»، يحترمها بشكل ملموس،برلمانات أوروبا وشرق آسيا والإدارات الاميركية- إنها من فن إدارة السياسة والمواقف. كما لنا » إختلافات محسوبة» معهم يعرفونها،ايضا.والأهم: إن بوصلتنا تشير الى «سلامة أمن الأردن وأرضه وشعبه اولا ثم إخوته ». فنجحنا مرّات، وكَبَوْنا مرّات.وفي المُحَصِّلة تعلمنا دروساً، البعضُ ينتقدنا ويعيب علينا فيها. لا بأس. فلا يضيرنا موقفهم ضدنا ؛ نحنُ نعرف حجمنا وإهتدينا و نجحنا في تجنيب وطننا كوارث في الداخل او في الاقليم–الجاري منها وما قد سلف.
ويحضُرني هنا حدثٌ من الماضي عام 1971، حَانَ لي إعادة ذِكْرُه هنا، لأخذ العبره: في منزلِ سياسيٍ لأردنيّ حزبي بعثيٍ مُمَيَّزْ،على مائدته جمَعَ كِبارَ قادةِِ - أ ردنيين وفلسطينيين - حضرْتَه–وسَمِِعْتَهم» يُلَخِّصون حديثهم كالتالي: «لقد خدَعَنَا الغربُ و دفَعَنا للوقوف ضد إنضمام الأردن عضواً في حلف بغداد عام 1957 ! فلو دخلنا لَمَا إحْتُلَّت الضفة الغربية كوْنَها تعود لعَضْو في الحلف «"!! إن هذا موقف يفتح الأعين والعقول، من بعدِ تجربة مرَّة!.
لقد أخذ الاردن «عِبَراً»، تَلَتْ آلام، جرّاء كوارث واحداث: نكبة فلسطين 1948 وتحالُف العدوان الثلاثي الاسرائيلي الفرنسي البريطاني على مصر1956، بعد تأميم جمال عبد الناصر قناة السويس؛ واحتلال الضفة الغربية والجولان السوري وسيناء مصر عام 1967؛ والفتنة والفوضى وتحالف المُضَلَّلِينَ عام 1970-لا المخلصين الفدائيين–لقد حرّضتهم وحرَّكت معظَمَهُم، وعن بُعْد، أيد خارجيه–هي إفرازات الانقلابيين العسكر، في سوريا والعراق ومصر وغيرها آنذاك؛ وتَعلَّمنا من حرب رمضان في سيناء مصر 1973، وغزو اسرائيل لبنان 1982، والفوضى الداخلية في لبنان, 1990 -1975؛ والحرب المُفْتَعَلة بين ايران والعراق 1982؛ واحتلال الكويت 1982; وغزو التحالف الغربي+ للعراق 2003; والحرب في الصومال 2009- ; وخليط التحالفات الموسمية الاقليمية. وما تلى ذلك من تفتت العراق وكينونتة: عربا، واكرادا، وسُنة، وشيعة؛ والحروب في سوريا 2011- وحريق الشام وتدمير بنيته وتهجير سكانه؛ والسودان وإقتطاع جنوبه ونفْطِه لدولة جمهورية جنوب السودان في جوبا 2011؛و الحفر جارٍ في اقصى غربه، تمهيداً لدويلة انفصالية في دارفور؛ والحروب في ليبيا وتقسيمها، شرقا وغربا 2014؛ وضعف مؤسسات العمل العربي المشترك- الخ!
والحمد لله، عبَرَ الاردن عنْها كلها، سليما مع خدوش، هي من أشواك المراحل. وتجاوز ممرات صعبة ومن بين تجمع الخارج،والعابثين،واللاعبين في بناء الأُمة، تلك التى مزقت البلاد والعباد إلى ممالك ودويلات شخصية لا مؤسسيه،لم يتم جمعها لليوم؛ وموقفنا العاقل الشجاع من صفقة القرن التْرَمبِّيَّة المسمومة (نسبة إلى الرئيس الاميركي ترمب)، وتجاوز خطورة ولؤم خصوم الأمة جرّاء إسنادنا غزة واهلها ودعم تماسك اهلنا في الضفة الغربية. كل ذلك بَذَلَهُ الأردن، رغم قلة اليد، بعونٍ من الله، وقِصَر نظر الناقدين، والمساندين، والصامتين،وخطورة المواقف،وتحالفات الخارج وداخل الاقليم.
وما زال لدينا في الداخل «ظاهرة سلبية»،هي سلوكيات أفراد -بأسُهُم بينهم شديد -،أسميتهم هنا «'بالهيايبرد»، تولُّوا وظائف، وفيما بعدها، مواقع وحصدوا مكاسب، وكسوناهم ريشاً وجرَّبناهم - ويعرفهم المواطن من أثر السموم!. إنهم كمحركٍ وقوده البنزين + البطارية (هايبرد).في الوظيفة يُغَرِّد لولاةِ أمرِه. وتجد بعضهم،وأثناء الوظيفة، «هايبرد» يغرد للداخل ويقف مع الخصوم ويُمهِّد لموقع لنفسه خارجها. هُمُ بسلوكهم هذا، في عِدَادِ الخصوم. فلنحذرهم ؛ سقطت بوضوحٍ أقنعتهم، «نسمع صمتهم المدوِّي"! خِلال العدوان الإسرائيلي الجاري على غزة وما قبله. ولمسنا «عُلُوَّ صوت» بعضهم، ناقدا مواقف الأردن من غزة،ومساندتنا في تجميع القوى الدولية لوقف العدوان،وجلب الدعم لاهلنا هناك. إنها «ظاهرة سلبية» يسهل تجفيفها بوقف الري والتسميد.
يا أخي سميح، أحسنت السؤال والإجابة في مقالتك،عن «من هم حلفاء الأردن؟. إن حلفاء الأردن الحقيقيين، هم المؤمنون به موطنا مقدساً، وبقيادته–يدُ الله فوق ايديهم. وأُكمِلُ الصورة التي رسمتها فأقول: لا يعيبنا في الأردن الإفصاح عن حجمنا ومع من نقف. بل ان في الإفصاح شجاعة العاقلِ، لا جُرأةَ الجاهل، مِمَّن يُوسِعُ الخصوم شتماً،ويتركهم يأخذون الإبل. أخي سميح المعايطه: معرفتنا بأنفسنا فضيلة وحكمة، «وإنصاف» أهل الشفافية والإستقامة إستحقاق، وأنت منهم. كما وإنّ دعم"شجرة المخلصين في الداخل» «إستحقاق"وتكريمٍ لهم, ايضاً.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/21 الساعة 01:49