كان بإمكاني

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/18 الساعة 02:37

أحيانا تفكر في العمر الذي مضى، وتسأل نفسك: لماذا تورطت بهذه المهنة؟ كان بإمكاني مثلا أن أكون عازف ايقاع في فرقة مغمورة، تؤدي وصلات في الأحياء الفقيرة، وحجتي في ذلك أن البلد ظلمتني والحظ خذلني...

كان بإمكاني أيضا أن أكون سائق (سرفيس) على خط العبدلي، وأحمل معي فقط الصبايا، وأحيانا أتمنع عن أخذ الأجرة..ويتهمني زملاء المهنة بأني (نسونجي)..وأنا أتجاوز عن اتهاماتهم الهزيلة تلك، وأعلل السبب بأنهم لايعرفون شيئا في فقه النساء هم فقط يعرفون فقه (السرفيس) أما أنا فعالم في النساء.
كان بإمكاني أن أكون (كومبارس) مع الفنان أنور خليل في أحد الأدوار البدوية، وأقول أني قمت بأداء الدور أفضل من (أنور) ولكن الرجل (مدعوم)..وتقاضى أجرا أكثر من أجري، أنا أصلا لم اتقاضى أجرا قدموا لي وجبة (شاورما) وقالوا لي بعد انتهاء التصوير: مع السلامة..ولما عدت قلت في داخلي حين يعرض المسلسل لابد أن تنتبه لي شركات الإنتاج...وحتما سيسقط (أنور) أمام دوري القادم.
كان بإمكاني أن أكون...من (أرباب السوابق)، ومن المصنفين في البحث الجنائي كخطر، ويتم اعتقالي ليلا..من الشارع العام، وأنا بطبعي لا أحب مقاومة رجال الأمن، ولكن المواقع الإخبارية تكتب في اليوم التالي خبرا يقول: الأمن يلقي القبض على مصنف خطر عليه (33) طلبا جرميا ومتورط بتهريب المخدرات..والسطو المسلح....وأنا أصرخ لحظة (شحطي) في الشارع العام: (بريء يابيه والنبي بريء)..
كان بإمكاني أن أكون رجلا تافها، يمشي برفقة كلب سرقه من حديقة منزل في شارع (الرينبو) مثلا، ويحاول الحديث مع السائحات بلغة انجليزية ركيكة، ويحاول أن يقدم نفسه بأنه من العطوفين على الحيوانات وأن لاصديق له في هذه الدنيا سوى هذا الكلب...كان بإمكاني أن أتجول في الشارع كثيرا، وينتهي بي المطاف بأن يقوم الكلب (بعقري)..تخيلوا حتى الكلب أصابه الملل من تفاهتي وقرر الإنتقام..ماذا سيكون مصيري لحظتها، وهل سيساعدني أحد من المارة؟
كان بإمكاني أن أكون كل هذا الإنحدار....كيف رفضت هذه المغريات؟ أنا لا أعرف حقيقة كيف رفضت...!

مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/18 الساعة 02:37