راتب المرعي يكتب: إلى نقابةِ المحامينَ الأردنيين الموقّرة

راتب المرعي الدبوش
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/13 الساعة 11:23
(1)

لا أظنُّ أنّ نِقابةً من النِقاباتِ المِهْنيةِ الأردنيةِ تعتمدُ (تحيةً) مُحدّدةً وثابتةً في مُخاطباتِها، كما تفعلُ نقابةُ المحامينَ الأردنيين التي جعلتْ من عبارةِ (تحية الحقِ والعروبة) وَسْمَاً لها، وشِعارا دالّا عليها وحْدَها، دونَ غيرها.
أعترفُ، بدايةً، أنّني لستُ قانونيّاً، ولا مختصّا بالقانون، ولكنّها وجهةُ نظر، أطرحُها للنقاش؛ وأقدّمُها مغلّفةً بالاحترامِ والتقدير إلى نقابةِ المحامين الأردنيين الموقّرة. فأقول:
المحامي، والمحاماةُ اسمانِ مأخوذانِ من الجذر اللغويّ (حَمَى) بمعنى (صانَ)، و(حَفِظَ) و(دفَـعَ الضرر) عمّا يحميه. ومن هذه الدائرةِ اللغويةِ جاء (الحِمى)، وهو ما يُحْمَى، ويُـدافَـعُ عنه؛ كالوطن والدار والممتلكات، كما جاءت (الحِماية) وهي الحفظُ والصون.
والمحامي اسمُ فاعلٍ من الفعل المزيد (حامَى)، وهو لقبٌ يُطلق، وَفْقَ القانون، على كلِ من توافرت فيه الشروطُ اللازمةُ للتوكّل عن الآخرين؛ أدعاءً بحق، كما هو حالُ محامي الادّعاء، أو نفياً لادّعاء. كما هو حالُ محامي الدفاع.
إن مهمّةَ المحامي، إذن، هي النيابةُ عن موكِّـلِه في الدفاع عن حقٍّ يدّعـيه، سواء كان ذلك بإثباتِ واقعةٍ، أو وقائعَ يترتّبُ على إثباتها كسبٌ ماديٌ أو معنوي، أو بنفيٍ لواقعةٍ أو قائعَ يترتبُ على نفيها حقُّ الموكّل في الحُكْمِ بـبـراءتهِ من جُرمٍ منسوبٍ إليه، أو عدمِ مسؤوليتِه عن فعلٍ ضارٍّ اتُّهم بارتكابِه، أو بنفي ما يدّعيه خصمُه من حقٍّ ماديٍ أو معنويٍ لديه.
(2)
إذا كان المحامي يمارسُ عملَه السّامي، وهو يضعُ قيمةَ (الحق) مقرونةً بـ (العروبة) نُصْبَ عينيْه، فما القيمةُ أو القيمُ التي يسعى المهندسُ، مثلا، إلى تحقيقٍها، وهو يصمّمُ المشروع، أو ينفّذه، أو يشرفُ عليه؟
لا يخفى على أحدٍ أنّ أقصى ما يُـطالَبُ به الطبيبُ والمهندسُ والمعلمُ والمُمَرّض، والعاملُ في أي مجالٍ مُشابه، هو (إتقانُ عملِه) وَفْـقَ أفضلِ معايير (الجودة) التي يتطلبُها ذلك العمل.
أما المحامي فإنّ هدفَـه الأسمى هو بذلُ الجهدِ من أجلِ الوصولِ إلى إثباتِ (حقِّ موكلِه) بوسائلِ الإثباتِ المعتبرة؛ ليقدّمَها مرافعةً شفهيةً أو خطيةً إلى المحكمةِ المختصةِ التي تقومُ بدراسةِ ملفِ القضيةِ المنظورة؛ بما يتضمّـنُه من ادعاءاتٍ ودفوعٍ ورُدود، وبيناتٍ وإثباتاتٍ وشهود، واعترافاتٍ وتقارير خِبرة... إلخ.
وبعد الفحصِ والتمحيص، وإسقاطِ الوقائعِ على موادِ القانون، واستكمالِ إجراءاتِ التقاضي، تُصدرُ المحكمةُ حُكْمَها (باسم ِجلالةِ الملك) باعتباره رأسَ السلطاتِ التي تحمي الحقَّ وتصونُه، مهما كان صاحبُ هذا الحق، ومهما كان المُطالَبُ بأدائِه.
(3)
وبما أنّ البحثَ عن (الحقَّ) والدفاعَ عنه، والعملَ من أجلِ الوصولِ إليه؛ بهدفِ تحقيقِ (العدلِ) أو (العدالة) هو جوهرُ عملِ وجهدِ (المحاماة) الذي يُـقَدّمُ إلى المحكمةِ صاحبةِ الاختصاص، فحبّذا لو كان لفظُ (الحـق) وحْدَهُ هو جوهرُ تحيةِ المخاطبةِ المعتمدةُ في نقابةِ المحامين، وذلك بأنْ تكونَ التحيةُ (تحية الحق)، أو (تحية الحقِّ والعدالة)؛ وذلكَ لسببيْن؛ أولُهما: أنّ (العدالةَ) هي القيمةُ العليا التي هي (أساسُ المُلك) والتي بها تستقرُّ أحوالُ المجتمع، وتجعلُ أفرادَه آمنين على أنفسِهم، وممتلكاتِهم وأعراضِهم.
وثانيهما أنّ (العدالةَ) لا تتحققُ إلا إذا أخذَ صاحبُ (الحق) حقّه، بغضِّ النظرِ عن قوميّـتـِه، وجنسِه، ولونِـه، ومعتقداتِه.
ومن هنا، يتبيّنُ لنا أنّ لفظَ (العروبة) في هذا السياقِ يُـعَـدُّ إلصـاقًا لهُ بغـير ما يُشاكِلُه، بل قد يَشي بشيءٍ من التحيّزِ القوميِّ أو العرقيِّ الذي لا يُغني من الحقِّ شيئا؛ لأن القاضيَ يحكمُ بموجبِ القانون، وبناءً على الأدلةِ والإثباتات، ولا سُلطةَ لأحدٍ عليه، في حكمِه، إلا نزاهتُه وضميرُه الحيُّ النقي؛ بعيدًا عن مؤثراتِ القوميةِ والعرقِ، والجنسِ والمعتقد.
وبناءً على ما سبق: فـأيُّهما أدقُّ، وأقربُ إلى جوّ النزاهةِ والموضوعيةِ والحياد: أهي (تحيةُ الحقِّ والعروبة) المعتمدةُ حاليًا؟ أم (تحيةُ الحقِّ والعدالة) التي أقترحُها، إنْ جاز لمثلي أنْ يقترح؟
وبعد،
فهي وجهةُ نظرٍ، أقدّمُها مشفوعةً بالتقدير والاحترام إلى نقابةِ المحامينَ الأردنيين، فإنْ أصبتُ فبتوفيقٍ من الله، وإن أخطأتُ، فإنني أعتذرُ عن تدخّلي كغير مختصٍ فيما لا يعنيه.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/13 الساعة 11:23