الأردنيون والغرف السوداء
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/12 الساعة 00:31
لا يحتاج المرء إلى التدقيق الكبير، حتى يكتشف أن نسبة كبيرة من الأردنيين لا يمتلكون خطاباً سياسياً متماسكاً ومقنعاً، فالغالبية الساحقة مما نقرأه أو نسمعه، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعدوا كونه ألفاظاً لا تخلوا فقط من أدب الخطاب، بل إن معظمه شتائم تفتقد إلى الذوق والخلق، وتتنافى مع أبسط القيم الأخلاقية التي تعارفت عليها المجتمعات الإنسانية،فليس من القيم والأخلاق، ولا من أعراف الخطاب السياسي، ناهيك عن الخطاب الاجتماعي انتهاك حرمات ومحارم الناس، بما فيهم الذين يتولون المناصب العامة الذين يجب أن يخضع أدائهم للتقيم الموضوعي بعيداً عن الشتائم والاتهامات غير المبنية على أدلة واضحة، فكيف إذا كان هذا الانتهاك بالباطل، كما نلحظ في الكثير مما يتداوله الأردنيون حول من يتولى المسؤولية العامة في بلدنا، الأمر الذي جعل الكثيرين من الذين يحترمون ذواتهم يحجمون عن تحمل هذه المسؤولية حفاظاً على ذواتهم وخصوصيتهم، وحفاظاً على محارمهم وحرماتهم من الاغتيال المعنوي، الذي هو أشد من الاغتيال المادي. خاصة في ظل تعميم تهمة الفساد، وكأن كل مسؤول فاسد بالضرورة.
إن ممارسة الشتائم عبر العوالم الافتراضية التي وفرتها مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته ليست بطولة ولا شجاعة، لأنها أولاً مواقف بلا ثمن، ولأن جزء كبير من أصحابها يستترون وراء أسماء وهمية ومستعارة، مما يفقدها أثرها الإيجابي، ويبقى آثارها السلبية المدمرة، وأولها شرذمة المجتمع وزرع البغضاء والشحناء بين أبنائه، والأهم من ذلك هز الثقة بمؤسسات الدولة ورجالها، أي هز الثقة بالوطن الذي يتولى هؤلاء الرجال إدارته عبر إدارة مؤسساته.
إن مما يزيد الطين بله أن جل ما يتداوله الأردنيون لا يعدو كونه شائعات لا يعرفون مصدرها، فما أن يظهر اتهام أو شائعة حول أحد المسؤولين حتى تشتعل بها مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم تداولها وكأنها حقيقة مسلم بها، رغم أن إخضاعها للعقل والمنطق والتحليل ينفي إمكانية وقوعها، ويبين زيفها،فإذا أضفنا إلى ذلك أن الكثير من الإشاعات والاتهامات يتم استحضارها على شكل تغريدات أو فيديوهات من سنوات سابقات، وعن أشخاص آخرين، وأحياناً من دول أخرى، ويتم تداولها على أساس أنها أردنية وحديثة وتتعلق بمسؤول أردني.
إن كل ما سبق يفرض علينا أن نذكر الأردنيين جميعاً بأن الإشاعة جزء أساسي من أسلحة الأعداء وخاصة في حروبهم النفسية، وأن الدول تقيم أجهزة متخصصة وغرف سوداء تكون مهمتها نشر الإشاعات ضد خصومها من الدول الأخرى، وقد سبق وأن دفع بلدنا أثماناً باهضةً في حقب سابقة نتيجة لهذا النوع من الحروب التي تعرض لها، سواء عبر الإعلام المعلن أو عبر إشاعات الغرف السوداء، آخذين بعين الاعتبار أن بلدنا يتعرض لحملة ضغوط سياسية واقتصادية كبيرة لا يجوز أن نكون نحن إحدى أدواتها من خلال مساهمتنا في اغتيال رموزنا الوطنية، سواء كانت هذه الرموز أشخاص أو مؤسسات. الرأي
Bilal.tall@yahoo.com
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/12 الساعة 00:31