بطَّاح يكتب: إسرائيل: من الأحزاب ' الليبرالية' إلى الأحزاب 'اليمينية'!
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/06 الساعة 16:58
إنّ القارئ المُدقّق في تاريخ الحزبية السياسية في إسرائيل لا يملك إلّا أنّ يلاحظ أن إسرائيل عندما نشأت في عام 1948 بقرار من الأمم المتحدة كانتْ وظلتْ محكومة من قبل حزب العمل العلماني الليبرالي حتى عام 1977 عندما فاز حزب "الليكود" اليميني بزعامة "مناحيم بيغن" بالانتخابات، وقد ظل الأمر كذلك باستثناء فترات محدودة إلى أنْ ظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في عام 2022 وتمخّضت عن بقاء حزب" الليكود" في مركز الصدارة ولكن مع ظهور أحزاب يمينية متطرفة كحزب (العظمة اليهودية) بزعامة "بن غفير"، و(الصهيونية الدينية) بزعامة "سموتريتش" وهذا بالإضافة طبعاً إلى حزب "شاس" اليميني بزعامة "أرييه درعي" الأمر الذي أدى بزعيم الليكود نتنياهو إلى تشكيل حكومة يمينية (من الليكود أساساً) بالتحالف مع أحزاب يمينية متطرفة وهي: "شاس"، و"العظمة اليهودية"، و"الصهيونية الدينية".
ماذا يعني هذا؟ إنه يعني ببساطة أنّ إسرائيل قد بدأت بالتحوّل من دولة "علمانية" و"ليبرالية" إلى دولة "يمينية" تريد أن تفكك العلمانية كما جرى في محاوله ما سُمي بالإصلاحات القضائية (أيّ إلغاء الدور الرئيسي لمحكمة العدل العليا واعطاؤه "للكنيست")، كما تريد أنّ "تشرعن" الاستيطان في جميع أنحاء الضفة الغربية (التي تُسميها "يهودا والسامرة") وقطاع غزة تطبيقاً لما أسمته سياسة "الحسم" أيّ تخيير الفلسطينيين بين: العيش في ظل الهيمنة الإسرائيلية، أو القتل على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، أو الهجرة (إلى الأردن أو مصر أو أيّ بلد آخر).إنّ من اللّافت في هذا التطور للحزبية السياسية في إسرائيل أنّ "اليسار" يكاد يختفي من الصورة وقد عجز حزب "ميرتس" اليساري في الانتخابات الأخيرة عن تخطي حاجز ما يسمى "بالعتبة الانتخابية" (أيّ ما يقارب 3% من أصوات الناخبين)، بل إنّ حزب العمل وهو الذي قاد الحياة السياسية الإسرائيلية طيلة فترة النشوء والترسيخ (1948 - 1977) بزعمائه التاريخيين مثل ديفيد بن غوريون، وليفي إشكاول، وجولدا مائير لا يشغل الآن في الكنيست سوى أربعة مقاعد!ولعلّنا نلاحظ في هذا السياق أيضاً أنّ سياسة التفاهم مع الفلسطينيين والتي تَتوّجت في اتفاقيات أوسلو (1993) -والتي قادها إسحاق رابين وشمعون بيريس خلال فترات بسيطة استرجعا فيها زخم شعبية حزب العمل- قد تمت مقاومتها بشراسة من قبل أحزاب اليمين وبالذات نتنياهو الذي يتهمه البعض بأنه كان وراء الحملة التحريضية التي أدت في النهاية إلى اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين!تُرى ما آفاق التغيير السياسي في إسرائيل وبخاصة بعد معركة "طُوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال ممكنة في ضوء نتائج الاستطلاعات الأخيرة في المجتمع الإسرائيلي والتي تشير بوضوح إلى أنّ الرأي العام الإسرائيلي ما زال مع فكرة استمرار الحرب وحتى "اجتثاث" المقاومة الفلسطينية، وضد إقامة دولة فلسطينية (على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كما ينص عليه "حل الدولتين")، وضد وقف الاستيطان وبالذات في الضفة الغربية، الأمر الذي يعني أنّ من الأرجح لو جرت الانتخابات غداً أن يفوز "اليمين الإسرائيلي" بكافة تجمعاته وأحزابه، والواقع أنه حتى لو فازت الأحزاب الوسطية (مثل حزب "معسكر الدولة" بزعامة غانتس، وحزب "يوجد مستقبل" بزعامة "لبيد") فإنّ الحفاظ على ثوابت اليمين (عدم قبول اقامة دولة فلسطينية، وعدم وقف الاستيطان) سوف يظل مأخوذاً به مع بعض التغييرات "التجميلية" التي لا تغير من جوهر الأمور شيئاً.وإذا أتينا إلى تفسير هذه الظاهرة في عالم السياسة الإسرائيلية (الانزياح نحو اليمين) فإننا نجد أنّ ذلك يحدث بفعل عدة عوامل أهمها:أولاً: اعتداد إسرائيل بقوتها، واعتقادها -رغم ضربة السابع من أكتوبر الوازنة والتي رجّتها رجّاً- بأنها دولة قوية وبأنها تستطيع أن تفرض ما تريد فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني.ثانياً: تحالف إسرائيل الوثيق مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وهي أقوى قوة في العالم، وقد تجلّى لديها هذا التحالف فيما تلقته بعد السابع من أكتوبر من دعم غربي هائل: عسكري، واقتصادي، وسياسي.ثالثاً: الانقسام الفلسطيني وحالة الاستقطاب الذي تُمثله فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية التي تحظى بالاعتراف الدولي من جهة، وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية المقاتلة والمتهمة من قبل الغرب بالإرهاب من جهة أخرى، والمُقلق في الأمر أنّ هذين المنهجين مختلفان جذرياً في رؤيتهما للتعامل مع الصراع، فالفريق الأول (فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية) يرى أنّ مفتاح الحل هو في "السياسة"، والفريق الثاني (حماس والجهاد وغيرهما) يرى أن الحل هو في "المقاومة".رابعاً: حالة الضعف العربي والذي بدا واضحاً من خلال ردود الفعل العربية الرسمية على العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، والتي لا ترتقي في الواقع إلى مستوى التأثير على مجريات الصراع، وعلى الدول الفاعلة ذات الدور الحاسم في دعم إسرائيل كالولايات المتحدة.بقّي أن نقول أنّ توجّهات المجتمع الإسرائيلي، وتجلّياتها الحزبية هي كما وصفنا وسوف تظل كذلك ما لم تحدث تغيّرات مهمة على الأصعدة: الفلسطينية، والعربية، والدولية.
ماذا يعني هذا؟ إنه يعني ببساطة أنّ إسرائيل قد بدأت بالتحوّل من دولة "علمانية" و"ليبرالية" إلى دولة "يمينية" تريد أن تفكك العلمانية كما جرى في محاوله ما سُمي بالإصلاحات القضائية (أيّ إلغاء الدور الرئيسي لمحكمة العدل العليا واعطاؤه "للكنيست")، كما تريد أنّ "تشرعن" الاستيطان في جميع أنحاء الضفة الغربية (التي تُسميها "يهودا والسامرة") وقطاع غزة تطبيقاً لما أسمته سياسة "الحسم" أيّ تخيير الفلسطينيين بين: العيش في ظل الهيمنة الإسرائيلية، أو القتل على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، أو الهجرة (إلى الأردن أو مصر أو أيّ بلد آخر).إنّ من اللّافت في هذا التطور للحزبية السياسية في إسرائيل أنّ "اليسار" يكاد يختفي من الصورة وقد عجز حزب "ميرتس" اليساري في الانتخابات الأخيرة عن تخطي حاجز ما يسمى "بالعتبة الانتخابية" (أيّ ما يقارب 3% من أصوات الناخبين)، بل إنّ حزب العمل وهو الذي قاد الحياة السياسية الإسرائيلية طيلة فترة النشوء والترسيخ (1948 - 1977) بزعمائه التاريخيين مثل ديفيد بن غوريون، وليفي إشكاول، وجولدا مائير لا يشغل الآن في الكنيست سوى أربعة مقاعد!ولعلّنا نلاحظ في هذا السياق أيضاً أنّ سياسة التفاهم مع الفلسطينيين والتي تَتوّجت في اتفاقيات أوسلو (1993) -والتي قادها إسحاق رابين وشمعون بيريس خلال فترات بسيطة استرجعا فيها زخم شعبية حزب العمل- قد تمت مقاومتها بشراسة من قبل أحزاب اليمين وبالذات نتنياهو الذي يتهمه البعض بأنه كان وراء الحملة التحريضية التي أدت في النهاية إلى اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين!تُرى ما آفاق التغيير السياسي في إسرائيل وبخاصة بعد معركة "طُوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال ممكنة في ضوء نتائج الاستطلاعات الأخيرة في المجتمع الإسرائيلي والتي تشير بوضوح إلى أنّ الرأي العام الإسرائيلي ما زال مع فكرة استمرار الحرب وحتى "اجتثاث" المقاومة الفلسطينية، وضد إقامة دولة فلسطينية (على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كما ينص عليه "حل الدولتين")، وضد وقف الاستيطان وبالذات في الضفة الغربية، الأمر الذي يعني أنّ من الأرجح لو جرت الانتخابات غداً أن يفوز "اليمين الإسرائيلي" بكافة تجمعاته وأحزابه، والواقع أنه حتى لو فازت الأحزاب الوسطية (مثل حزب "معسكر الدولة" بزعامة غانتس، وحزب "يوجد مستقبل" بزعامة "لبيد") فإنّ الحفاظ على ثوابت اليمين (عدم قبول اقامة دولة فلسطينية، وعدم وقف الاستيطان) سوف يظل مأخوذاً به مع بعض التغييرات "التجميلية" التي لا تغير من جوهر الأمور شيئاً.وإذا أتينا إلى تفسير هذه الظاهرة في عالم السياسة الإسرائيلية (الانزياح نحو اليمين) فإننا نجد أنّ ذلك يحدث بفعل عدة عوامل أهمها:أولاً: اعتداد إسرائيل بقوتها، واعتقادها -رغم ضربة السابع من أكتوبر الوازنة والتي رجّتها رجّاً- بأنها دولة قوية وبأنها تستطيع أن تفرض ما تريد فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني.ثانياً: تحالف إسرائيل الوثيق مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وهي أقوى قوة في العالم، وقد تجلّى لديها هذا التحالف فيما تلقته بعد السابع من أكتوبر من دعم غربي هائل: عسكري، واقتصادي، وسياسي.ثالثاً: الانقسام الفلسطيني وحالة الاستقطاب الذي تُمثله فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية التي تحظى بالاعتراف الدولي من جهة، وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية المقاتلة والمتهمة من قبل الغرب بالإرهاب من جهة أخرى، والمُقلق في الأمر أنّ هذين المنهجين مختلفان جذرياً في رؤيتهما للتعامل مع الصراع، فالفريق الأول (فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية) يرى أنّ مفتاح الحل هو في "السياسة"، والفريق الثاني (حماس والجهاد وغيرهما) يرى أن الحل هو في "المقاومة".رابعاً: حالة الضعف العربي والذي بدا واضحاً من خلال ردود الفعل العربية الرسمية على العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، والتي لا ترتقي في الواقع إلى مستوى التأثير على مجريات الصراع، وعلى الدول الفاعلة ذات الدور الحاسم في دعم إسرائيل كالولايات المتحدة.بقّي أن نقول أنّ توجّهات المجتمع الإسرائيلي، وتجلّياتها الحزبية هي كما وصفنا وسوف تظل كذلك ما لم تحدث تغيّرات مهمة على الأصعدة: الفلسطينية، والعربية، والدولية.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/06 الساعة 16:58