فليتنافس المتنافسون
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/03 الساعة 02:13
ما زال العرب منذ بداية الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، يولون أهميّة كبيرة للانتخابات التي تجري في الولايات المتحدة الأمريكية وفي دول أوروبا وحتّى في داخل الكيان المحتلّ، ويتابعون هذه الانتخابات ومساراتها ومآلاتها متابعة حثيثة ، ولكنّهم للأسف الشديد لم يدركوا أنّ نتائج تلك الانتخابات مهما كانت لم تقدّم لهم في أي يوم شيئاً ذا بال، كما أنّهم لم يدركوا حتّى الآن قاعدة "ما حكّ جلدك مثل ظفرك"، فقد راهنّا كثيراً على احتمالات التغيير في الإدارات الأمريكية والإدارات الأوروبيّة، ناسين أو متناسين أنّ معظم هذه الإدارات هي معامل لإنتاج الأزمات والمشكلات وتصديرها للبلدان العربيّة والإسلامية، وأنّ هذه الإدارات هي من زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين وتعهّدت برعايته ودعمه وتسليحه والدفاع عنه وضمان تفوّقه في كلّ المجالات على محيطه العربي.وعلى الرغم ممّا نشهده من مشاركة أمريكية حقيقية في حرب الإبادة التي يرتكبها الجيش الصهيوني في غزّة والضفّة الغربيّة عن طريق تزويد الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة الأمريكية وأقواها وأشدّها تدميراً وفتكاً بالمدنيين الفلسطينيين، وكذلك من خلال تزويد الصهاينة بالجهود الاستخبارية بالإضافة إلى الدعم الهائل السياسي والمالي، ومع ذلك فإنّنا ما نزال نولي أهميّة كبيرة للانتخابات الرئاسية المنتظرة في الولايات المتّحدة ونتابع التنافس بين دونالد ترامب وجو بايدن ونحاول أن نفاضل بينهما مع أنّ كلمة (مفاضلة) لا تناسب هذه الحالة لأنّها مشتقّة من كلمة (الفضل) ونحن نعلم أن لا فضل لأيّ منهما على العرب أو قضاياهم، وقد كشفت المناظرة التي جرت بينهما عن هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، إذ يكفي ما وصف به ترامب منافسه بايدن بأنه فلسطينيّ سيّء، جاعلاً كلمة (سيّء) مرادفة لكلمة (فلسطيني)، فهو يرى في الفلسطيني، وفي الإنسان العربي، شتيمةً وعاراً، وما قدّمه هذا المرشح العنصريّ للكيان الصهيوني خلال مدّة رئاسته للولايات المتحدة أكبر شاهد على مدى ازدرائه للعرب والفلسطينيين ومدى ولائه للصهاينة وخدمته ودعمه غير المحدود لهم، عندما جاء بما سمّاه (صفقة القرن) ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعترف بالقدس عاصمة للكيان المحتلّ، كما اعترف بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية والجولان المحتلّ، وجفّف ميزانية وكالة الغوث، وغير ذلك كثير. وفي مناظرته مع منافسه جو بايدن قال بأنّ (إسرائيل) هي من تريد استمرار الحرب في غزّة وأنّه يريد لها أن تستمرّ في الحرب كي تقضي على حماس.إنّ من أهمّ القضايا الأساسية التي يستند إليها الطرفان المتنافسان في محاولة كسب أصوات الناخبين الأمريكان هي قضيّة الدعم الأمريكي للاحتلال الصهيوني والدفاع عنه بكلّ الوسائل الممكنة حتى لو اشتعل العالم كلّه بالحروب من أجل استمرار هذا الدعم، فكلّ واحد من المرشحين المتنافسين يتبجح ويتفاخر بأنه الأكثر دعماً للكيان المحتلّ من الآخر، وفي ما قاله جو بايدن في مناظرته مع ترامب ما يؤكّد ذلك وما يوفّر شاهداً ودليلاً قاطعاً واعترافاً لا غبار عليه بمشاركة إدارة بايدن في حرب الإبادة التي تجري في غزّة، فقد قال ما نصّه إنّ إدارته أكبر داعم لتل أبيب بما قدّمه من الأسلحة والقنابل المتطوّرة وغيرها. وقد أكّد بايدن مراراً عديدة بأنّه يقدّم للكيان الصهيوني كلّ ما يحتاجه من الأسلحة.ولذلك فإنّ فلسطين وقضيتها وما تتعرّض له من محاولة طمس وتدمير واحتلال كامل وتشريد وتهجير وإبادة لم تكن ولن تكون محطّ اهتمام أيّ من المتنافسين، بل مصلحة الكيان الصهيوني هي أهمّ أولوياتهما.ولذلك لا ينبغي للعرب والفلسطينيين أن يراهنوا على مثل هذه الانتخابات ولا أن يعلّقوا آمالهم عليها، وعليهم أن ينفضوا أيديهم بالكامل منها ومن احتمالاتها، ما دمنا نتلقّى نتائجها فقط ونحصد آثارها المفروضة علينا كأنّها قدرٌ محتوم. وإنْ كان لا بدّ من إيلاء اهتمام بهذه الانتخابات فليكن ذلك بعد توجيه اهتمامنا وأقصى جهودنا لمواجهة التحديات التي نتعرّض لها، إذ لا يجوز الاعتماد فقط على أيّ تحوّلات محتملة تطرأ في دول العالم، بل يجب أوّلاً الاعتماد على قدراتنا وإمكانياتنا الذاتية وهي كثيرة، وأن نبذل أقصى جهودنا في الدفاع عن أنفسنا وانتزاع حقوقنا قبل أن نتوجه إلى أيّ دولة أو مؤسسة دوليّة.فإذا كانت الإدارات الأمريكية تتنافس في ما تقدّمه من خدمة للكيان الصهيوني، فلنتنافس نحن العرب في خدمة بلداننا وشعوبنا ومعالجة قضايانا ومواجهة أعدائنا.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/03 الساعة 02:13