عبدالهادي راجي يكتب عن عبدالكريم الدغمي: ابن الحزن والعروبة قرر أن يغادر الحياة السياسية

مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/01 الساعة 11:56
مدار الساعة - كتب: عبدالهادي راجي المجالي - ... منذ أمس وأنا أقرأ ما يكتب عن عبدالكريم الدغمي, والذي لم يقدم بيانا قرر عبره أن يترك الإنتخابات وشأنها, ولكنه قدم بيانا قرر عبره أن يستقيل من السياسة.. والذي يستقيل من السياسة لا يستقيل من الحب أبدا.
أريد هذا الصباح أن أكتب عن عبدالكريم, فقد أرسل لي رسالة قبل أقل من عام .. مكتوبة بخط يده, وأكذب إن قلت بخط يده لا بل بدمعه ودمه وبالتراب الحاني وبالمواجع التي امتدت منذ الصباح الأول في بيروت.إياكم أن تعتقدوا بأن عبدالكريم حين يضحك, يعبر عن سعادة..كلا هو يحاول أن يخفف وطأة الحزن التي في قلبه, إياكم أن تعتقدوا أن التجاعيد المرسومة على وجهه هي بسبب العمر .. كلا هي بسبب الحروب التي خاضها قلبه , وياما اكتوى هذا القلب من الحراب ونزف وصمد ومن ثم عبر.. أنا لا أقرأ وجوه الناس بل أقرأ دائما صدورهم, وهذا الفتى ولد على الحزن ورضع منه وشب على الحلم...كان قوميا بالفطرة والتنظيم, على شرفات بيروت رأى العروبة تهرب في أول باخرة رست, ثم عاد للمفرق محاميا طليعيا متمردا صاخبا ...وحلم بالعراق كبوابة للحرية والتنوير والكبرياء , لكن مع كل ربيع وحين يفيض دجلة ..ويدمر الطوفان حواف النهر , يفيض الحزن في قلبه ..وترى مكتبه حزين والأوراق والسيجارة وفنجان القهوة والصور المعلقة على الحائط ومقود السيارة , وحتى عيون المفرق تحزن معه.أما اخر جراحاته فكانت سوريا ...كنت أظنه وهو يقاتل لأجل الشام , أنه هو الذي دون بلقيس على زنده الأيمن حين كان نزار يبكيها, كنت أظنه أنه هو الذي همس لمظفر النواب بأن يغني في ليلة تشرينية صاخبة : (دمشق عدت بلا حزني ولا فرحي يقودني شبح مضنى إلى شبح).. وكنت أظنه هو الذي كتب نصف ما أنتجه الماغوط والنصف الاخر ترك لدمعه حرية إكماله.ما مر يوم على عبدالكريم ولم يصابح فيه الحزن, وما مرت ليلة عليه ولم يتسامر مع جراحاته ...أنا أحببته منذ أول يوم التحقت فيه بالصحافة , لأني أشبهه ..في الدرب، هو يأتي من المفرق ولا جهات في الطريق خضراء فالصحراء تسكن كل شيء حتى القلب , وأنا حين أعود من الكرك أشعر بالصحراء تطاردني.. هو القومي المبتلى بعروبته, وقد حاول الشفاء لكن الألم ظل يطارده ..وأنا مثله ألملم ما تبقى من عروبتي ...هو البدوي والحضري والليبرالي ...والشيخ وابن العشيرة وهو المسدس والطلقة والعقال, وأنا مثله وأضيف أني حلمت ذات يوم بأن أكون سنبلة لا يجوز حصادها ..لكننا للأسف حصدنا وما زال العود فينا أخضرا .عبدالكريم ابن الحزن والعروبة ...قرر أن يغادر الحياة السياسة, وأظن أن النموذج لن يتكرر حتى وإن تكرر لكنه لن يكون بجنون وعشق عبدالكريم ...وإياكم أن تعتقدوا أني هنا أحاول ممارسة الندب والنواح ..كلا بل كنت أحاول أن أستفز الحزن العربي الساكن في قلب هذا الرجل عله يغادر ويتركه وحده ...أعتذر لك يا صديقي أني خذلتك مرة في مقال كتب , لم نتفق على فحواه لا أنت ولا أنا ..وأعتذر لك , أني حاولت ذات مساء أن أداري كل تلك الجراحات في صدرك وتراجعت حين أيقنت أن جراحك أكبر من المدن وأكبر من الجبال وأكبر من قاسيون ...لكم السلام يا ابن الحزن ويا أحلى فتيتنا وأنبلهم .الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/07/01 الساعة 11:56