مدحت
مدار الساعة ـ نشر في 2024/06/26 الساعة 02:46
كنت في المختبر أمس لأخذ نتائج الفحوصات الخاصة بي , المختبر مكيف ..وبه قاعة انتظار , والذي يعملون فيه لا ترى على وجوههم إلا الإبتسامات ..ويرتدون ( أرواب) بيضاء ناصعة , تفوح منهم رائحة العطور ...ويبدو أن الديكورات الموجودة في المختبر كلفتهم أكثر مما جنيته في كامل حياتي .
جاء رجل اسمه (مدحت) وجلس هو وزوجته , كان قلقا والمدام كانت تمسح العرق الذي يسيل من جبهته , كانت تقول له : (اتطمن حبيبي أنا متأكدة كل شي رح ايكون كويس) .. لاحظت أن قدمه تهتز بطريقة غريبة , وأن جسده يرتعش..وأنا ظننت أن مدحت يعاني من مرض عضال – لاقدر الله- , لأن دمعة حرى سالت من عين زوجته.
هنا تطفلت على المشهد وأرسلت بعض الرسائل له , حاولت أن أخفف من قلقه وخوفه قلت له : (اتوكل ع الله وجهك مثل قرص الجبنة) وأخبرته أن مظهره (كيوت) لا يوحي بالمرض...
لحظات وجاءت فنية المختبرات وأحضرت نتيجة فحص مدحت , ثم أحضرت فحصي ...كاد أن ينهار لحظتها , لكن فنية المختبر قالت له : (كريات الدم البيضاء ممتازة ومعاملات الإلتهاب ممتازة) ...تغير كل شيء حين سمعوا النتيجة , وعانقت الزوجة مدحت ثم شكروا الممرضة.. ولاحظت دمعة سالت على خده , بعد ذلك أعطتني فحوصاتي ..الأصل أن النتيجة الطبيعية تكتب بالأسود والنتيجة غير الطبيعية تكتب بالأحمر , حملت فحوصاتي وتذكرت ما حدث معي في الصف الثاني ثانوي حين ذهبت لإحضار شهادتي , كنت مكملا في (4) مواد بما فيها التربية الإسلامية.. كانت الشهادة كلها خطوط حمراء , قالت لي الممرضة : (أستاز عبدالهادي ..عندك كوليسترول والدهنيات الثلاثية , وعندك ارتفاع باليورك أسيد ..لازم اتراجع دكتورك) بعبارة أخرى فحوصاتي (بتخزي بتوطي الراس)...ثم تحدثت عن شيء لا أعرف ما هو متعلق بقوة الدم وطلبت مني التبرع , ولكني قاطعتها وسألتها : (لو سمحت في إشي كويس ) قالت لي : (البوتاسيوم عندك طبيعي) ....إذا فلنهتم بمدحت مادام أن البوتاسيوم طبيعي.
حين خرجنا سألت المدام : (معلش من شو كان بشكي الأخ مدحت) ..وتبين لي أنه كان يعاني , من التهاب في المثانة نتيجة خروج حصوة , وبالتالي سببت له بعض الخدوش ...كدت لحظتها أن أقول لها : (كليتي ع حساب مدحت) ... كل هذا القلق والخوف والبكاء , كان لأجل حصوة..تذكرت أحد أبناء العمومة حين زرته في المنزل يوما للإطمئنان على سلامته , وكان يضع بجانبه علبة فيها الحصوة التي استخرجوها من كليته , بصراحة ما أخرجوه من كليته لو ضربت بها أحدا لقمت (بفشخه) لم تكن حصوة بقدر ما كانت (طوبة) ...
خرج مدحت مع زوجته , كانت فحوصاته مجرد ورقة واحدة وفحصا واحدا , خرجوا ويد المدام في يده والفرح يعلو وجوههما , والمدام كانت تتصل (بماما) ولا أعرف هل هي ماما مدحت أم ماما المدام ..كانت تخبرها بأن الفحص جيد , يبدو أن العائلة كلها كانت في حالة طوارئ ...وتنتظر .
أنا لا أطمح لشيء إلا أن أكون مثل (مدحت) ..أريد حصوة صغيرة في المثانة , وحب كبير في القلب ....وعائلة تناديني : ( توحه) ...تخيلوا اسمي (توحه) ..؟.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/06/26 الساعة 02:46