صبري ربيحات يكتب: مجالس العيد
مدار الساعة ـ نشر في 2024/06/22 الساعة 18:41
اجازة العيد لهذا العام كانت الاطول منذ عقود لقد امضيناها وغدا سنعود.. سنعود والسنتنا تلهج بالدعاء للحكومة بطول العمر. فقد وفرت لنا وقتا فائضا للحديث والتزاور والترفيه. لكن ويا للاسف بعض من فرحوا بالعطلة الطويلة لم يكن لديهم من المال ما يكفي للانفاق على ما تشتهي أسرهم. والبعض الاخر منعهم الحر من الاستمتاع بما توفر لديهم من الوقت والمال.
نسبة ضئيلة من المرفهين استطاعوا مغادرة البلاد الى بيوتهم واوطانهم الأخرى والبعض اغتنموا فرصة العروض السياحية الى تركيا ودول المغرب العربي وأوروبا وغيرها من البلدان التي نشطت سياحتها.
الى جانب المباركات بالعيد ومواقف الناس من انواع الحلوى واسعار الاضاحي واماكن عرضها كان الحديث عن غزة هو الأهم والأكثر تحريكا للعواطف وشحذا للهمم ومبعثا للدعاء لاخوتنا بالصبر والثواب والنصر والاسف لحال الامة وتقصيرها وخذلانها للشعب ومقاومته التي تدافع عن كرامة الامة ووجودها ومستقبلها. موضوع الانتخابات يأتي بعد الإشارة الى قساوة الطقس ومستوى الانهاك الذي تسبب به لقوانا وتعكيره للمزاج.
في بعض مجالس القرى والاحياء وحتى الصالونات العمانية يسترسل البعض في الحديث عن الانتخابات القادمة ولا يسألون كثيرا عن البرامج ...فماوهو متوفر حولها اليوم لا يتعدى موعد انعقادها واسس والية الترشح لها وكشوف باسماء وإعداد الناخبين في كل دائرة من الدوائر المحلية واماكن الاقتراع لكل ناخب.
القضية الاكثى رواجا هذه الايام تدور حول شكاوى بعض من عملوا في لجان الانتخاب من عدم شمولهم في لجان انتخابات هذا العام وقلة يكترثون الى ما قد تسفر عنه النتائج لأنهم لا يرون فيها الا نسخة جديدة عن ما سبقها ...
المؤشرات الأولية تقول بأن لا اختلاف في مواصفات المرشحين للتنافس عن ما اعتدنا عليه في السنوات التي خلت . فهناك عزوف واضح للفئات التي نحتاج لها في اغناء التجربة البرلمانية واكسابها الزخم الذي يمنح المجلس الثقة الشعبية التي يحتاج لها ليكون معبرا عن هموم الامة وتطلعاتها وقادرا على ترجمتها الى سياسات وتشريعات وبرامج عملية .
الكثير ممن ابدوا رغبة الترشح بلا تجربة سابقة في العمل العام ولا خطاب يحمل رسالة وبرنامج ومستوى فمعظمهم يسير على ما قدر الله وينتظر ان يرى ما كتب له فيىالعاشر من سبتمبر القادم .
أقصى ما يمارسه البعض لا يعدو التدرب على الخطابة والحديث بلغة تشبه لغة القائد الإسلامي الفاتح للاندلس موسى بن نصير ليحث مناصريه على خوض غمار المعركة المصيرية التي يرى ان نجاحه ضروري وباي ثمن ويحذرهم من ان يهزموا بهزيمته فهو النجاح ورمز تفوقهم الذي بدونه لا وجود لهم .
هذا الشكل من التعبئة المعنوية هو الاكثر رواجا في اجواء جاهلية بعيدة كل البعد عن المفاضلة والقضايا والبرامج والاولويات والحوار .
في أجواء ومحيط المقرات المؤقتة لمن ينتون الترشح هناك موسيقى وزمجرة وتهديد واغان حماسية توهم السامع بانهم يقف الى جانب طارق بن زياد متهيئا ومستعدا لعبور المتوسط شمالا " سر بنا يا ....." والبعض الاخر يهمس في اذان عصبته بأن فوزه مؤكد ولا يخفي البعض نيته الانفاق بسخاء على الحملة الانتخابية ودفع كل ما يلزم للحصول على المقعد ايا كانت النتائج...
بعض الالحان والاغاني الإماراتية التي كتبت للاشادة بالشيوخ وشيمهم وتتغنى بمهابتهم اصبحت الاغاني الاكثر رواجا في اعلانات المرشحين المبكرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
في بعض الاوساط القبلية والعشائرية اجريت مفاضلات من قبل العشائر لاختيار من يرون اكثر مناسبة من بين من طرحوا انفسهم للترشح. هذه الالية التي لعبت دورا هاما في بث روح الحماس بين التشكيلات الاجتماعية التقليدية لم تعد تقبل من قبل الجميع فالبعض لا يعترف بها والبعض الاخر يرفض الانصياع للاحكام الصادرة عنها باعتبارها محكومة بالمتوارث اكثر من استرشادها بمعايير القدرة والتأهيل والنزاهة والسجل والخبرات.
بفعل هذه الاساليب المبتكرة يكثر الحديث هذه الايام عن الشرعية واللاشرعية في إشارة الى من حاز على إجماع العشيرة او خرج على ارادتها. في جميع الأحوال يصعب اليوم ان تجد برنامجا متكاملا او رؤية قادرة على فهم وتحليل ما هو كائن ووصف الأهداف والسبل التي يمكن ان تأخذنا الى حيث نريد . حتى وان وجدت هذه التصورات والبرامج فلا وجود للكوادى القادرة على حمل وتطبيق هذه الرؤى في ظل محدودية المشاركة والتأثير الشعبي على القرارات .
في كل مجلس من مجالس العيد يمكن ان يطرح أسئلة عديدة منها ما يأتي على هيئة ؛( - شو اخبار الانتخابات عندكم؟ او ...مين نازل من جماعتكم؟...او ..كيف شايف هالانتخابات ؟)....
على كل الاحوال يكفي اي واحد من هذه الأسئلة لاندلاع سيل من النقاش والجدل والتحليل وتحويل المجلس الى مسرح يعج بالشكاوي والاحباطات الناجمة عن التباين الكبير بين الوعود التي قطعها المرشحون ومستوى الاداء الذي تحقق بعد فوزهم بالمقاعد..
صحيح ان التحولات التي جرت في البلاد كانت مربكة للجميع . و صحيح أيضا ان المجالس تناقش مشاريع القوانين وتطرح عشرات الأسئلة على الحكومات لكن كل ذلك لم يغير في قناعة الناس بأن اوضاعنا انزلقت نحو الأسوء ورضانا عن أداء من يديرون المشهد سار من السيء الى الأسوء.
نعم لقد اصبحت مشاكلنا البسيطة اكثر تعقيدا واضحت خدمات مؤسساتنا اقل جودة مما كانت عليه .. لقد ضعفت قدرتنا على حل المشاكل واصبحنا اقل اهتماما واكثر ترددا في الاخذ بيد الاجيال التي تتطلع الينا .
في السنوات القليلة الماضية تضاعف اعداد الأسر التي تعاني من الفقر وتزايدت اعداد العاطلين عن العمل بمتوالية هندسية و تقلص النمو في بلادنا الى مستويات غير مسبوقة ..وعجزنا عن فتح نوافذ امل جديدة بالرغم مجاورتنا لأكثر أسواق العمل ازدهارا واكثر بلدان الارض انفاقا على الاستثمار.
لقد بتنا نعرف او نتنبأ باسماء النواب قبل إجراء الانتخابات ونعرف اسم رئيس المجلس واعضاء المكتب الدائم قبل يوم الاقتراع وصار لدينا مهارة في تحديد اسماء الاحزاب الرابحة والخاسرة قبل يوم الاختراع بشهور ...
حتى الذين فجروا ادمغتنا وهم يطلون من كل ثقوب الأبواب ليقنعونا باهمية الاحزاب لم يتحزبوا وجميع اعضاء الأعيان الذين انظموا للاحزاب اليسارية فضلوا ان لا يخوضوا الانتخابات القادمة ليحافظوا على عينيتهم .
على صعيد القائمة الحزبية في الدائرة الوطنية لا يزال الجدل محتدما حول اسس ترتيب المترشحين في القائمة فبالنسبة لبعض المنظرين ومع غياب رؤى برامجية واضحة يصعب ان تلمح فروق واضحة بين الاعضاء في القدرة على الفعل او الالتزام بالمبادي ولا اهمية تذكر للسيرة العملية والمؤهلات . فالجميع يحبون الوطن والقيادة ويؤمنون بالدستور ويؤيدون الحكومات التي تحظى بثقة جلالة الملك.
في مثل هذه الحالة قد يكون من المفيد للحزب ان يعطي الاسبقية امن يضع مالا اكثر في محفظة الحزب. هذه الحالة تسبب الكثير من الجدل والنقاش الذي قد يفتح الباب للأسئلة حول نزاهة الانتخابات واستخدامات المال السياسي ويلقي بكثير من الظل على الانتخابات والإصلاح برحمته.
اخيرا نتمنى لكل من لم نلتقيه في ال١٦٠ ساعة الماضية من العيد وتوابعه عاما سعيد وعمرا مديدا وللعائدين من الحج حجا مبرورا وسعيا مشكورا وتجارة لن تبور .........
مدار الساعة ـ نشر في 2024/06/22 الساعة 18:41