د. حسام العتوم
سلط الإعلام الروسي الأضواء في الأونة الأخيرة على عدم توقيع الأردن على وثيقة سويسرا 15 حزيران الجاري 2024 بمشاركة و توقيع 78 دولة من أصل 92 دولة عالمية و بحضور نائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريس و جمع من زعماء الغرب ، و غياب الصين ، و عدم دعوة روسيا الاتحادية الشريك الأساسي في السلم و في الحرب الأوكرانية . و المعروف هو بأن الأردن تحديدا يقيم علاقات متوازنة مع دول العالم ،و مع روسيا الاتحادية و مع أوكرانيا . و العلاقات الأردنية الروسية متطورة وهامة منذ أن بدأت عام 1963 في عهد مليكنا الراحل العظيم الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، و الان كذلك في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ، وهي سياسية ،و دبلوماسية ، و اقتصادية ، و تبادل تجاري وصل الى نصف مليار دولار .و برامج تعاونية متبادلة ثقافية و اقتصادية . ومنح دراسية سنوية يقدمها الجانب الروسي للأردن بحجم 180 منحة . ولقد وقف الأردن موقف الحياد مع اندلاع العملية الروسية الخاصة عام 2022 – الحرب الروسية الأوكرانية ومع " الناتو " بالوكالة ، و شاركت الخارجية الأردنية الى جانب وفد للخارجية العرب و حضور الجامعة العربية في لقاء وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف ووزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا ، و لقاءات منفردة بين وزير خارجية الأردن السيد أيمن الصفدي ووزير خارجية روسيا سيرجي لافروف ، هناك في موسكو و هنا بعمان . و لقاء جمع وزير خارجية روسيا لافروف بجلالة الملك عبد الله الثاني في العاصمة الأردنية . و برقية تهنئة أردنية تقدمها جلالة الملك بتنصيب الرئيس بوتين للمرة الخامسة ، و أخرى تعزية بالحادث الإرهابي الذي أصاب غرب موسكو مؤخرا .
و مضمون وثيقة سويسرا التي انتظرها العالم لأنهاء الحرب الأوكرانية لم تتضمن تثبيت سيادة أوكرانيا خلف خطوط عام 1991 عندما حصلت أوكرانيا على استقلالها من الاتحاد السوفيتي ، لكنها طالبت بإعادة محطة زاباروجا النووية للسيادة الأوكرانية ، و بعدم قصف روسيا للموانيء الأوكرانية المصدرة للحبوب للعالم – خاصة الفقير - ،و على تبادل الأسرى من العسكريين . وكلها مطالبات أوكرانية خاصة لا تنهي الحرب بالمناسبة في ظل عدم دعوة روسيا لحضور مؤتمر سويسرا ،وهي الشريك الأساس في السلم و في الحرب كما أكرر هنا . و بطبيعة الحال فإن موسكو تفضل عدم الأستماع لشروط و لمطالبات مؤتمر لم تدعى اليه . وكان الأجدر على أوكرانيا " كييف " عدم اضاعة فرص السلام مع روسيا التي انعقدت في تركيا ، و اتفاقية عام 2022 ، و اتفاقية " مينسك " عام 2015 ، و الحوارات المباشرة ،و اتفاقية تفكيك الأتحاد السوفيتي الداعية للحياد عام 1991 ، ومادة ميثاق الأمم المتحدة 751 التي تخول الدفاع عن النفس ، وعدم اللجوء للإستماع لضغوطات الغرب الهادفة لديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح .
ولقد استبق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤتمر سويسرا بخطاب من وسط وزارة الخارجية الروسية بتاريخ 13 حزيران 2024 ركز فيه على النقاط الرئيسة الممكن أن تقود لسلام نهائي ودائم مع أوكرانيا " كييف " ، وهي ضرورة مغادرة الجيش الأوكراني للمناطق التي حررتها روسيا وتعتبرها روسية ( لوغانسك و دنيتسك " الدونباس ، و زاباروجا و خيرسون ) و تأمين ممر لروسيا تجاه إقليم القرم و الذي هو روسي أيضا و خط أحمر لروسيا حيث يرسو الأسطول الروسي الأسود النووي الأستراتيجي ،و التزام أوكرانيا للحياد و الأنفصال عن التحالف مع حلف " الناتو " المعادي لروسيا .
وعلاقة الأردن في المقابل مع أوكرانيا عبر عاصمتها " كييف " دافئة و حجم تبادل تجاري وصل عام 2023 الى 800 مليون دينار .وزيارة للأردن قام بها الرئيس الأوكراني ليونيد كوجما عام 2002 و زيارة مماثلة لأوكرانيا – كييف قام بها جلالة الملك عبد الله الثاني عام 2011 ،و علاقات برلمانية أوكرانية – أردنية و بالعكس ، و سفارة أوكرانية في عمان منذ عام 1997 ،و سابقا قنصلية أوكرانية عام 1992 ، و اعتراف أردني بإستقلال أوكرانيا عام 1991 .
الأردن من دول دعاة الحوار و السلام بين روسيا و أوكرانيا ، و يقيم علاقات متوازنة مع دول العالم وسط زوبعة الصراع بين احادية القطب و تعددية الأقطاب . و بالمناسبة فإن المدة القانونية لسلطة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي انتهت بتاريخ 20 أيار 2024 ، و يعتبر الان في العرف السياسي قائما بإعمال الدولة الأوكرانية مع ابقاء السلطة للبرلمان . و الأنتخابات الأوكرانية الرئاسية و البرلمانية مجمدة بسبب الحرب و يستمر زيلينسكي في الحكم بسبب فرض الأحكام العرفية الخاصة بالحرب . ولقد صرح الرئيس الروسي بوتين مرارا بأن بلاده لم تبدأ الحرب و بأنها جاهزة للحوار من أجل السلام مع أوكرانيا ،و في المقابل أعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأن بلاده أوكرانيا غير راغبة بالحرب و بأنها تواجه عدوانا روسيا حسب قوله .
وقمة السبع في ايطاليا بتاريخ 13 حزيران بحثت في أوراق الحربين الأوكرانية و في غزة و في سبب وقوف الصين الى جانب روسيا . و تفاصيل الحرب الأوكرانية لمن يتابعها بدأت وسط الثورات البرتقالية قبل و أثناء انقلاب " كييف " 2007 / 2014 ، التي اخترقت خيوطها لوجستيا الغرب و في مقدمتها الأمريكية ، و شجعت " كييف " على ضم شرق أوكرانيا و جنوبها قسرا ، وعلى مطاردة الحضور الروسي بكافة أنواعه من الأراضي الأوكرانية ،على مستوى التهجير القسري للروس البالغة نسبتهم في الشرق الأوكراني 70% ،ومحاصرة اللغة الروسية ، و ارتباط الدين المسيحي بالكنيسة الروسية في موسكو ، و اعلان رفض الحوار مع روسيا رسميا وعلى لسان الرئيس الأوكراني زيلينسكي ، و تطاولات أوكرانية متكررة على جسر القرم ، و على خط الغاز نورد ستريم 2 ، و الشروع في انتاج أكثر من قنبلة نووية ، و نشر أكثر من 30 مركزا بيولوجيا منتجا لفايروس كورونا بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية و مندوبها هانتر – بايدن .
و الملفت للنظر هنا هو أن أمريكا تقف علنا ضد مقترحات بوتين للسلام الروسي الأوكراني دون انتظار اعلان مشابه حتى من الطرف الأوكراني الممثل للعاصمة " كييف " . وكلما بقي التدخل الغربي حاضرا وسط الحرب الروسية – الأوكرانية و التي تعتبرها روسيا مجرد عملية خاصة دفاعية تحريرية ، كلما كانت فرصة انهاء الحرب ضئيلة . وروسيا و أوكرانيا جيران و شعوبهما أخوة ،وعمقهما تاريخ سوفيتي و سلافي عريق . و الغرب الذي يزج نفسه في الحرب يبحث عن مقاصد بعيدة المدى لا علاقة لها بسيادة أوكرانيا التي كان من الممكن الحصول عليها مبكرا عبر الحوار . وهاهي صناديق الأقتراع في المناطق الأوكرانية التي حررتها روسيا تؤشر صوب حتمية الأنضمام لروسيا و ترفض التعامل مع نظام " كييف " . و لهذا فإن روسيا ترفض الحديث عن سلام يشمل المناطق المحررة ، و تصر على توقيع سلام المنتصر بعد اعتراف " كييف " بالمناطق المحررة وفي مقدمتها القرم روسية السيادة .