الزيود يكتب: أوجعتهم صحوتنا على بلادنا

د. عبدالباسط محمد الزيود
مدار الساعة ـ نشر في 2024/06/13 الساعة 15:01
لا بدّ لي بدايةً من التذكير بأن هذه البلاد العزيزة علينا تضم فسيفساء جميلة؛ ففيها الأردني من أصل شركسي أو شيشاني و آخر من أصول سورية وآخر من أصول فلسطينية.ولا شك أن هذه الفسيفساء تشكل مصدر قوة و تنوع و ثراء؛ فلسنا دعاة عنصرية، لا قدر الله، كما اتهمني بعضهم قبل فترة ومنهم طلبة عندي، بعضهم بسبب تعبوي وبعضهم الآخر بدفع من أحدهم، فلم نعتد في تربيتنا التي رُبّيناها على هكذا دعوات، ولكني أود الإشارة إلى فريق سياسي أو تيار حزبي، تقمص دور المقاومة وركب موجة الصادقين والطيبين، وقد انضمت إليه كتلة ديمغرافية لا بأس بها، لا يرون أن لهذا البلد حقاً في أن يلتفت إلى داخله ويعالج مشاكله، إن وجدت، ويبحث عن مستقبله؛ بما يحقق الأمن والاستقرار والرخاء والمنعة له في مواجهة الأخطار المحدقة به وبالمنطقة كلها، وهي أخطار ماثلة إن بسبب الحرب والعدوان على أهلنا الصابرين في غزة والضفة الغربية أو بما سوف يترتب على اليوم التالي للحرب من تغيير خرائط وإعادة تقسيم المقسم؛ بما ينسجم مع مآلات الحرب ومخرجاتها على الأرض، ما بين رابحين وخاسرين، في المديين المنظور والبعيد، سائلين الله جلَّ في علاه أن يلطف بأهلنا ويحقق لهم ما يصبون إليه من تحرير أرضهم وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني كله.وهنا لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط مهمة؛أولاً: يحق للأردن أن يبحث عن كل الطرق التي توفر له الحماية ولشعبه ومنجزاته، التي صنعها الآباء المؤسسون، ومؤسساته المختلفة وصيانة استقلاله.ثانياً: يحق للأردن أن يكرّس التقاليد الدستورية المختلفة ويفرض احترامها مثل اجراء الانتخابات في موعدها دون تأجيل، كان قد دعا إليه بعضهم؛ تأكيداً على استقرار البلد و أمنها و ديمومتها تحت أقسى الظروف.ثالثاً : يحق للأردن أن يحتفل بمناسباته الوطنية كلّها؛ فهو بلد آمن و مستقر و يبحث عن مستقبله بكل ثقة وسط اقليم ملتهب، و يشكل الاحتفال بهذه المناسبات، و منها المناسبة الأخيرة و هي اليوبيل الفضي لجلوس جلالة الملك على العرش، مصدر اعتزاز بقيادة هذه البلاد و جيشها الذي شارك في غير واجب وطني و عربي بكل شرف و مهنية واقتدار، و ما قرى فلسطين و مدنها إلا شاهدة على التضحيات التي قدمها هذا الجيش العربي.رابعاً : يحق للأردن أن يحدد خياراته و فق مقتضيات مصالحه الوطنية و التزاماته كدولة ذات سيادة ؛ بعيداً عن اولئك الذين يريدون لنا أن نكون طلقة في مسدساتهم، أو أن نكون ملحقين بفصيل معين أو أن نكون ملحقين بمشروع دولة في الإقليم لها مشروعها التوسعي الذي ترك الخراب و الدمار ماثلين في بلدان عربية حولنا ؛ فالأردن يتصرف كدولة لها سيادتها و قرارها المستقل.خامساً : يحق للأردن أن يبحث عن سبل تحصين جبهته الداخلية في مواجهة الأخطار، فلا يمكن لبلد أن يواجه أخطار الخارج بجبهة داخلية ضعيفة أو غير متماسكة، و في سبيل ذلك انحاز الأردن إلى الحق المشروع للشعب الفلسطيني في مواجهة الآلة العسكريّة الإسرائيلية في غزة و الضفة الغربية منذ بداية العدوان، كما انحاز إلى مطالبه بالحرية و الانعتاق من الاحتلال طوال تاريخه المعاصر ؛ بعيداً عن تلك الأصوات النشاز التي وصل بها الأمر إلى التخوين في مواقفه و التهوين من خطواته في مساندة إخوانه، و هنا لا بد من سؤال يفرض نفسه، و هو لماذا يحق لهذا التيار السياسي تخويننا و التهوين من دورنا مهما فعلنا، و في الوقت ذاته يطالبوننا في إسدال ثوب القداسة على خياراتهم و توجهاتهم ؛ فالمقاومة حق مشروع و مقدس للشعوب، لكن من يمثلونها هم بشر يصيبون و يخطئون مثلنا تماماً، و هم، أي التيار، إذ يفعلون ذلك يقدمون خدمة مجانية للعدو و يسهمون في إضعاف جبهتنا الداخلية، لا قدّر الله، إن بقصد أو دونه.سادساً : يحق للأردن أن يفخر بما قدمه للأشقاء في غزة و الضفة الغربية على صعيد الإغاثة و المساندة السياسية و المطالبة بوقف الحرب، و هو ما لم تستطع دول أكبر منا موارد و إمكانيات أن تفعله، لكنها آثرت الانكفاء على نفسها و انحازت لمصالحها، و ما مؤتمر الاستجابة الإنسانية في غزة المنعقد حالياً في البحر الميت إلا خطوة في سلسلة من خطوات سبقته.أخيراً، يحق للأردني أن يمارس أردنيته بشكل مطلق في بلده، و أنا أعني هنا كل الأردنيين، دون قيد أو وصاية ؛ فهذه البلاد ما كانت يوماً إلا مع أمتها و عروبتها، و قد دفعت ثمناً باهضاً سواء من أرواح رجالها أو تضرر مصالحها، و لست هنا في وارد المنّة على أحد ؛ لذلك لا بد من الصحوة و العمل الجاد في سبيل رفعة هذا الوطن و استقراره و أمنه و ديمومته، و إن أوجع ذلك بعضهم.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/06/13 الساعة 15:01