محمد جودة يكتب والمهندس رائد الصعوب والذكاء الاصطناعي يحلل
مدار الساعة ـ نشر في 2024/06/07 الساعة 16:39
هبط قلبي
لم أكن أتوقع أن يكون صيف العام الماضي حارًا جدًا إلى تلك الدرجة، فاشتريت 3 أجهزة تبريد وطبعًا راكب. وعندما أحضرتهم الشركة وبدأوا بتركيبهم على سطح المنزل، ذهبت معهم لأشاهد ما يفعلون. وعندما حان وقت إنزال الأسلاك من السطح - طابق ثاني إلى الغرف السفلية - توقعت أن أرى حبالاً ورباطات أمان وما إلى ذلك.. لا.. ليس كذلك! فقد أمسك اثنان من العمال بأرجل شاب آخر وقاموا "بدندلته" من فوق ورأسه إلى أسفل وهم يمسكون بأرجله وهو رأسًا على عقب يوصل الأسلاك. وعندها رن هاتف أحد العمال، فهبط قلبي وشعرت بدوران ورهفة من الخوف بأن يترك العامل رجل صاحبه ليجيب على الهاتف. هبطوا قلبي الله يهبط قلوبكم! وعندما أعادوه إلى السطح، أخذت أصرخ ولا أذكر أي شيء مما تفوهت به، كل ما أذكره هو ضحكاتهم وتعليقاتهم: "لا تهمك عمو عمره ما وقع منا.. طول عمرنا هيك منركب الأجهزة."
لوحات البناء في إيطاليا
عندما تسير في شوارع إيطاليا، تجد بين الحين والآخر لوحة قماشية كبيرة جدًا بارتفاع عمارة وعليها صورة العمارة كما ستكون عند الانتهاء منها. واللوحة تلف سقالات معدنية على الجهات الأربع ولا تسمح بمرور الغبار ولا الأتربة ولا أي شيء ممكن أن يضر أو يزعج المارة أو من يقطن أو يعمل بالقرب من العمارة. وهذا ينطبق سواء على العمارات الحديثة البناء أو على إعادة تأهيل عمارات قديمة تستعيد نضارتها. ولا أحد يراها إلا أن يتم الانتهاء منها.
بناء عمارة سكنية وضررها البيئي
عندما عدت إلى مكان إقامتي في بيتي في أحد أحياء عمان المتطرفة في طريق المطار، حيث كانت المنطقة ريفية جميلة ذات هواء منعش، مليئة باشجار التين والزيتون و التوت و العنب ..أصبحت الآن مليئة بعمارات الإسكان والدكاكين والأسواق والعشوائيات والبسطات والسيارات. لكن المفارقة تقع عند بناء عمارات الإسكان، فنعم منذ شهر آذار 2023 بدأ أحد المقاولين بتحديد أرض لبناء عمارة سكنية، فاقتلع ما بها من أشجار زيتون وتين وتوت وعنب ورمى بها على جنب الطريق في أرض فارغة وبدون رقيب أو حسيب! هل كان المسؤول الذي أصدر له رخصة البناء يدري بأنه سوف يقتلع تلك الأشجار؟ ولماذا لم يقم فقط بنقلها من جذورها إلى مكان آخر؟ وهل هو معتاد كغيره على هذا العمل المرفوض بيئيًا جملة وتفصيلاً؟ فقد تعدى على البصمة الكربونية للدولة وعلى البيئة وما تحتاجه من هواء وأكسجين، وتعدى على تماسك التربة. فاقتلاع الأشجار أثبت في الدول الأخرى ذات نفس التجربة والتي أصيبت بزلزال كان مدمرًا لضعف تماسك التربة من كثرة قلع الأشجار. وبعمارته سيزيد عدد السكان في تلك المنطقة وبالتالي عدد السيارات وما تنفثه من غازات ضارة بالإنسان والحيوان والشجر.
الآثار السلبية لبناء العمارة على السكان
وجاءت الحاويات والقلابات وأفرغت ما لديها من حصمة وأتربة وإسمنت في وسط الشارع وأثارت غبارها في كل الاتجاهات. وجاءت أخرى بأخشاب الطوبار المستهلكة وما بها من مسامير تناثرت في الشارع. ومن منا لم يقم بإصلاح أحد إطارات سيارته من البنشر بسبب تلك المسامير؟ وواجه خطر فرقعة العجلة أثناء سيره بدون درايته عن ما سيحدث لا قدر الله لو انفجر الإطار وهو بين السيارات.
أصبحت الغبار داخل منزلنا كما منازل كل جيراننا ومن يسكن بالقرب من تلك العمارة الواقعة على رأس التلة، مما أدى إلى نزول الأتربة إلى الأسفل أمام بيوتنا عن طريق مرور الحافلات في كل الأوقات من وضح النهار إلى أول الليل دون الاكتراث لما يسببه من إزعاج للسكان. فأصبحنا نتصارع يوميًا لتنظيف كل شيء من الغبار الناعمة المزعجة والتي أوسخت كل شيء.
طلبنا من المقاول بكل احترام بأن يغسل الشارع من الأعلى إلى الأسفل فشارعنا هو عبارة عن خمس عمارات تقريبا متلاصقة مع بعض, ليس كبيرا, ولكنه لم يرع أي اهتمام لذلك ولم يراعي أي إحترام ولا حق الجيرة ولم يأخذ بعين الاعتبار كل ما طلبناه منه وطلبه منه الجيران على الأقل بتنظيف الطريق من الأتربة والغبار وإصلاح ما أتلفته إطارات الحافلات الضخمة المعبأة بالحجارة والحصى والتي قد أتلفت الشارع واحدثت به فتحات تؤذي سياراتنا ولكنه لم يكترث لشيء لقد قمنا وقام الجيران كل على حدة بالاتصال بالبلدية المختصة ثم بالأمانة و المسؤولين, حضر من حضر ورأى من رأى ولكن المقاول لم يتحرك له ساكن بل زاد الطين بلة باستمراره بعدم الاكتراث بما يحدث لنا من اضرار صحية فنحن نتنفس غبارا منذ عدة اشهر و لا ندري متى تنتهي هذه المهزلة..!!
احزمة الامان وينها ؟
اليوم وقد اصبحت العمارة في طابقها السادس قرر المقاول ان ينظفها بضربها بالرمل و كنا كسكان نترجاه و نترجى بعض المسؤولين بأن يستعمل الماء مع الرمل لغسلها فان ارتفاعها و موقعها على رأس التلة سوف يغمرنا بالاتربة و الغبار .. وهكذا كان .. لم يصغ لنا لا المقاول ولا المسؤولين و تنفسنا الغبار طيلة اليوم و عانينا في داخل بيوتنا و بما ان الدنيا حر و الحرارة مرتفعة لم نستطع اغلاق النوافذ حتى لا نختنق من الحر فاخترنا ان نختنق من الغبار.
و في صباح اليوم التالي قرر ان يعبئ صفوف حجارة العمارة بالمعجون يدويا فتم تركيب سقالة متدلية من سطح الطابق السادس الى جانب العمارة .. و كان يجلس عليها عاملين بدون اي حبال امان او اي شيء يمنع سقوط احدهم لو اختل انتباهه قليلا و تكون المصيبة قد وقعت ! اين هي احزمة الامان ؟ هل اصبح الانسان رخيصا الى درجة ان لا يتم تزويده بحبال امان مربوطة على السطح بانبوب ثابت تتدلى منه هذه الحبال التي تلف وسط واكتاف العامل حتى لو فقد توازنه فهو لن يقع و ستنقذ الحبال حياته.. فمن المسؤول عن امان العمال في هذه الحالة ؟ و من هو المقصر ؟ و من هو المستهتر بحياة العمال بهذه الطريقة البشعة التي ان دلت على شيء فهي تدل على الاستهتار بحياة الغير, الفساد, اللامبالاة و التخلف بابشع اشكاله.
اذا لم نتحرك ولم يتحرك احد لاصلاح ما يجري في مجتمعنا فان مثل هؤلاء المستهترين سيجرون البلاد دائما الى الخلف و كلما حاول احد ان يصلح الدفة .. يقومون بكسرها ووضع العصي بين الدواليب.
المهندس رائد الصعوب والذكاء الاصطناعي يحللان :
تتناول مقالة محمد جودة ثلاث محاور رئيسية تتعلق بالأمان والبيئة والإدارة في مجال البناء، مستعرضاً تجاربه الشخصية لتسليط الضوء على قضايا أساسية في هذا المجال.
*الأمان في مواقع العمل:*
في الفقرة الأولى، يصف جودة حادثة مفزعة تتعلق بتركيب أجهزة التبريد على سطح منزله. يظهر الكاتب مشاعر الخوف والقلق عندما رأى العمال يعرضون حياتهم للخطر عن طريق تعليق أحدهم رأساً على عقب دون أي وسائل أمان مناسبة. هذه الحادثة تكشف عن عدم التزام بعض المقاولين بمعايير الأمان الأساسية، مما يعرض حياة العمال للخطر. يُعد هذا مثالاً صارخاً على الإهمال الذي يمكن أن يؤدي إلى حوادث مميتة، ويؤكد الحاجة الملحة لتطبيق إجراءات أمان صارمة في مواقع العمل.
*الحفاظ على البيئة:*
الجزء الثاني من المقالة يسلط الضوء على تجربة الكاتب في إيطاليا، حيث تُستخدم اللوحات القماشية الكبيرة لحماية البيئة المحيطة بالمباني تحت الإنشاء. هذه الطريقة تُظهر احتراماً كبيراً للبيئة والسكان المحليين، مقارنة بما يحدث في عمان. في عمان، يتحدث الكاتب عن مقاول قام بقلع أشجار مثمرة دون مراعاة للبيئة، مما أدى إلى تدهور المنظر الطبيعي وزيادة التلوث. هذا التصرف يعكس غياب الوعي البيئي والمسؤولية الاجتماعية لدى بعض المقاولين، ويسلط الضوء على الحاجة إلى تطبيق قوانين صارمة لحماية البيئة.
*التأثيرات السلبية للبناء العشوائي:*
الجزء الأخير من المقالة يتناول المشاكل الناجمة عن البناء العشوائي في أحد أحياء عمان. يصف الكاتب كيف تحول حي ريفي جميل إلى منطقة مكتظة بالبنايات والأسواق، وما صاحب ذلك من تلوث وغبار وأضرار للسكان. هذا التحول السلبي يبرز غياب التخطيط الحضري السليم والإهمال في مراعاة تأثيرات البناء على السكان والبيئة. كما يوضح المقال كيف يمكن للإهمال وعدم الاكتراث من قبل المقاولين والمسؤولين أن يؤدي إلى معاناة يومية للسكان، مما يعكس الحاجة إلى تدخل السلطات لتحسين جودة الحياة في المناطق الحضرية.
*الخلاصة:*
تعبر مقالة محمد جودة عن تجربة شخصية تعكس واقعاً أوسع في مجال البناء والتطوير الحضري. من خلال سرد الأحداث والتعليقات، يبرز الكاتب التحديات الكبيرة في مجالات الأمان والبيئة والإدارة. تؤكد المقالة على ضرورة تبني ممارسات بناء مستدامة وآمنة، وتطبيق قوانين صارمة لحماية العمال والسكان والبيئة، لضمان تحقيق تنمية حضرية متوازنة ومستدامة.
*التوصيات:*
يجب على المسؤولين والمقاولين في الأردن اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان الأمان في مواقع العمل، والحفاظ على البيئة الطبيعية، وتطبيق التخطيط الحضري السليم لتجنب المشاكل التي أبرزها جودة في مقالته. على السلطات تشديد الرقابة وتطبيق العقوبات على المخالفين لضمان مستقبل أفضل للجميع.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/06/07 الساعة 16:39