مطعومُ المناعة ضدّ الاشاعات
الشائعة عبارة عن خبر مزيَّف وغير حقيقي يطلقه شخص ما أو جهة ما ثم ينتشر في المجتمع، ويتداوله الناس على أنه حقيقة مطلقة غير محتملة للكذب. وتستخدم الشائعات كسلاح يطلقه أعداء المجتمع والدولة، مستعينين بـأبناء جلدتها (الطابور الخامس) بهدف هزّ كيان المجتمع، وإضعاف ثقته بنفسه وبدولته، مما يؤدي إلى خلل في منظومة الدولة، وعدم الانسجام بين مكوناتها، فتكون مناعتها تجاه العدو قد انخفضت، وسهل على الأعداء غزو هذه الدولة التي صارت هشّة.
وهذا الأسلوب من الحرب ليس جديدًا، فالدولة عندما تجتاحها الشائعات، نعلم أنها تمرّ بعملية حرب «نفسية»، لها أبعادها وأهدافها الخبيثة، فيصبح من الواجب على المجتمع أن يأخذ جرعات ثقافية ودينية ترفع من مناعته تجاه هذا الخطر الذي يهدد صحته وبنيته.
وإذا تأملنا مطلقَ الإشاعة ومصدرَها، ماذا يريد هذا الإنسان الذي يصدر أخبارًا زائفة تشوِّهُ صورة البلاد والعباد؟ وما الذي يفكر فيه؟ نحن أمام إنسان يكذب عن عمد، وعن سبق إصرار، بل يختلق الكذب والزور والبهتان، فلا شك أنه شخصية مريضة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، مريضة بخيانتها لوطنها، وعدم نزاهتها، وبحقدها على المجتمع وأهله. وإذا كانت الإشاعات حربًا نفسية، فالذي ينفِّذها من أبناء جلدتنا لا ريب أنه مريض نفسي، قد وصل إلى مرحلة من العدميّة أفقدته حب الوطن والأهل والعشيرة، وجعلته يتردّى في بئر الخيانة والعمالة.
وإذا تفحّصنا الناقل والمروِّج للإشاعة، إنه الشعب المسكين الذي يُراد له أن يقع في فخ الحاقدين والحاسدين، حيث يقوم أفراد المجتمع بنقل الشائعات دون وعي لما تحتويه، ودون وعي لخطر هذا النقل والترويج، بل ربما يشعر فريق من الناس بالمتعة أنْ وجدَ فضيحة أو خبرًا غريبًا، ويستعجل في نقله وترويجه للآخرين كسبق صحفي يسجَّلُ له، وهو لا يعلم أنه إنما ينقل كذبًا وزورًا. هنا ينبغي أن
نتوقف قليلا، فنحن بحاجة إلى إعادة النظر في هذا السلوك غير الصحيح، وفي منهجية التفكير لدى المجتمع.
القاعدة العلمية الذهبية التي رسمها الإسلام لأبنائه، وأظنّها محلّ اتفاق مع العقل بحيث يسلِّم بها كل عاقل، ولو لم يكن مؤمنا أصلا، هذه القاعدة هي: إن كنتَ ناقلا فالصحة، وإن كنت مدّعيا فالدليل. فمن نقل خبرا عليه أن يُثبِتَ صحته، بل ويُطالَب بذلك، وإلا فلا يقبل خبره، وكذلك من ادّعى شيئا فعليه إثبات صحة دعواه بالأدلة والبراهين، وإلا فلا تقبل دعواه. لو تعامل الفرد على أساس هذه القاعدة، فلن يسمح لشائعة أن تغزو أسماعه، ولا أن تخالط عقله ووجدانه، ومن ثم لن يكون لها أثر في حياة الإنسان. وكم وكم من الناس انهدمت أسرته، أو خسر عمله، أو أغضب أهله، أو قاتل غيره، بسبب شائعة لم يتثبَّتْ من صحتها.
علينا ألا نتلقّى الأخبار بألسنتنا، فنروّجها بمجرد سماعها، بل علينا أن نمرّها على عقولنا وقلوبنا، ونقوم بفلترتها، والتحقق من مصدرها وصحتها، كي لا نكون ركنا تقوم عليه الشائعة وتنتشر بسببه.
ولا يخفى ما في وسائل التواصل الاجتماعي من سرعة في النشر والترويج، حيث يستطيع الفرد الوصول إلى آلاف الناس في ثوان معدودة، مما يضاعف حجم المسؤولية على الشخص الناقل للخبر.
أقترح أن يقوم كل واحد منا بتنبيه الشخص الذي ينقل الأخبار الزائفة أو الأحاديث الموضوعة، ويذكره بأن عليه أن يتحقق قبل النشر. فإن لم يمارس هذا الشخص التثبت مما يرسل من أخبار ومعلومات، فعلينا أن نضعه -غير آسفين- في قائمة الحظر.
الدستور