قراءة دستورية في مقابلة ولي العهد

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/30 الساعة 04:15

تابع الأردنيون بشغف كبير المقابلة التلفزيونية التي أجراها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبد الله الثاني مع قناة العربية، والتي أظهرت الشخصية القيادية للأمير الشاب وما يتمتع به من حنكة سياسية ومتابعة حثيثة لكافة الشؤون الداخلية وتلك الخارجية المرتبطة بالإقليم والدول المجاورة.

ويبقى اللافت للنظر في اللقاء التلفزيوني الأخير حرص الأمير الحسين على احترام مركزه الدستوري كولي للعهد، وهو المنصب الذي قام المشرع الدستوري بتنظيمه في مناسبتين اثنتين؛ المادة (28/أ) من الدستور التي تجيز للملك أن يختار أحد أخوته من الذكور وليا للعهد، وهو النص الدستوري الذي تمت اضافته في عام 1965، وجرى تطبيقه لأول مرة من قبل المغفور له الملك الحسين بن طلال الذي قام بتعيين أخيه صاحب السمو الملكي الأمير الحسن وليا للعهد في العام ذاته.
أما الحكم الدستوري الثاني الخاص بولي العهد، فقد ورد في المادة (40/2) من الدستور المتعلقة بآلية تعيينه، حيث خضع الدستور الأردني إلى تعديل جوهري في عام 2016، بحيث أصبح تعيين ولي العهد يتم بإرادة ملكية منفردة موقعة من جلالة الملك دون توقيع مجاور من رئيس الوزراء والوزير المختص.
وعليه، فان ولي العهد لا يتمتع بأي صلاحيات دستورية مباشرة في الدستور الأردني، ما لم يقرر جلالة الملك تعيينه نائبا له في حال مغادرته البلاد وذلك عملا بأحكام المادة (28/ط) من الدستور. فهو ليس جزءا من السلطة التنفيذية التي حدد المشرع الدستوري عناصرها في المادة (26) من الدستور بأنها تناط بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور.
إن هذه الكينونة الدستورية لمنصب ولي العهد في النظام الدستوري الأردني قد حرص الأمير الحسين على مراعاتها في إجاباته الحصيفة على الأسئلة التي وجهت إليه أثناء اللقاء التلفزيوني، حيث ظهر هذا الأمر جليا في جوابه على السؤال المتعلق بدوره في القصر وفي صنع السياسات في المملكة الأردنية الهاشمية وفي تعيين القيادات في المناصب العليا. فكان رد سمو الأمير بالقول «بالتأكيد لي رأي، لكن أنا أقدر كيف ومتى أقدم رأيي لأي كان، لكن في النهاية نحن دولة مؤسسات، وهناك خيط رفيع بين التعدي على السلطات وبين تقديم المشورة».
فهذه الإجابة الحكيمة لسمو الأمير قد جاءت متوافقة تماما مع منصبه الدستوري كولي للعهد؛ فهو يقدم مشورته ورأيه الشخصي في الأمور المتعلقة بشؤون القصر والسياسة العامة في الدولة وتعيين كبار الموظفين، إلا أنه أكد على أن الأردن دولة مؤسسات، وأن المشورة التي يقدمها يجب ألا تشكل تعديا على السلطات الدستورية في الدولة واختصاصات كل منها.
ومن الدلائل الأخرى على حرص ولي العهد على عدم تجاوز الحدود الدستورية لمنصبه أنه كان يستخدم عبارة «جلالة الملك» والذي يشغل منصب وليا لعهده. فحتى في إشارته إلى الأوصاف العامة، فقد حرص سمو الأمير على ذكر مصطلح «جلالة الملك» وليس الملك الأب بقوله إن «جلالة الملك إنسان صادق، وكلامه في الغرف المغلقة ذاته في العلن، ولا يغير موقفه».
وفيما يتعلق بالموضوعات الهامة التي كانت محور المقابلة التي أجريت معه، فقد تطرق سمو ولي العهد إلى موضوعات هامة تخص الدولة الأردنية دائما ما يشير إليها باقي السياسيين والاعلاميين في مقالاتهم الصحفية وحواراتهم التلفزيونية، كموضوع الهوية الوطنية التي يفترض بها ألا تتعارض مع الهويات الفرعية والانتماءات الشخصية، ومفهوم المعارضة والموالاة، بالإضافة إلى التحديات الجسام التي واجهت الاقتصاد الأردني ممثلة بانقطاع الغاز المصري وإغلاق الحدود مع سوريا والأزمات الاقتصادية العالمية، وأخيرا القضية الفلسطينية وحرب الإبادة ا?جماعية التي يشنها العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني الأعزل.
وحتى في جوابه عن السؤال المتعلق بخدمة العلم، فقد أجاب سموه بالقول «ولو تسألني، أنا أرى أن إعادة خدمة العلم ضرورة ليكون الجيل الجديد منضبطا ومرتبطا بأرضه». فهو قد قدم رأيه الخاص فيما يتعلق بأهمية خدمة العلم، ولم يتحدث بصيغة أنه صاحب القرار النهائي في هذا الموضوع.
ويظهر الاحترام الكبير لسمو الأمير لمنصبه كولي للعهد بحدوده الدستورية، أنه عندما سُئل عن عمله في القوات المسلحة كانت إجاباته تفصيلية تحدث فيها بإسهاب كبير عن دراسته العسكرية والتحاقه بالقوات المسلحة والدورات التي اشترك فيها وما واجهه من صعوبات أثناء دراسته الجامعية. فهذه المسائل كلها قد قام الأمير الشاب بالحديث عنها وسردها بشكل تفصيلي، على اعتبار أنها جزء وظيفته العسكرية التي يشغلها حاليا، نقيبا في الجيش العربي ومساعدا لقائد سرية في الدروع.
إن حرص سمو الأمير على عدم تجاوز مركزه الدستوري كولي للعهد واحترامه للمبادئ العليا التي يقوم عليها نظام الحكم في الأردن هو أكثر ما يثير الإعجاب في المقابلة التلفزيونية الأخيرة.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/30 الساعة 04:15