صبري ربيحات يكتب: التربية في عالم متغير

د. صبري ربيحات
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/29 الساعة 20:13
اسعدني اليوم ان تشرفت بتلبية دعوة كلية العلوم التربوية في الجامعة الأردنية للحديث في ندوة والى جانب الاستاذ الدكتور اخليف الطراونة وحضور الاستاذ الدكتور محمد صايل الزيود عميد الكلية وعدد من اساتذتها وطلبة برنامج الدبلوم العالي في التعليم ...
تاتي هذه الندوة ضمن فعاليات الملتقى العلمي الذي تقيمه الجامعة ممثلة بكلية العلوم التربوية خلال الفترة من ٢٨ أيار الى ٢حزيران ٢٠٢٤.
في الحوار الذي انطلق عند العاشرة والنصف تحدثت حول مهمة التربية والقائمة اصلا على تأسيس وتهيئة وإعداد الافراد بكل الوسائل للحياة المستقبلية ... و يهدف هذا الجهد الى بناء شخصية الفرد وتهذيبه ليتحول من فرد في النوع البشري الى شخص يمتلك معارف ومهارات وسلوك تمكنه من التكيف للمثيرات الثقافية بنجاح ويلعب دورا حيويا مهما في مجتمعه والعالم.
نجاح العملية التربوية يستند الى معرفتنا للثقافة وما يمكن ان ناخذ منها لوضعه في مناهج الاعداد والتأهيل بما يتناسب مع متطلبات الحياة التي يجري اعداد الافراد لها ...وعليه فلا يمكن ان تنجح عملية التربية اذا كانت المؤسسات القائمة عليها لا تعي متطلبات المستقبل الذي نعد الاطفال والكبار لدخوله والتفاعل داخل منظومات بناءه...
حتى وان توفر هذا الشرط فينبغي ان نملك دراية كافية بطبيعة الفرد النمائية والتطورية ونمتلك المهارات التي تساعدنا على ان نصمم وندير التفاعل التعليمي بالشكل والاسلوب والقدر الذي يتناسب مع الاستعداد والقدرة والميول للمتعلم.
المجتمع الأردني الذي وقف طويلا على أعتاب مرحلة الانطلاق وتجمد فيها يعاني من ازمة حقيقية قد تكون أسبابها تأخر البت في الاجابات على أسئلة الهوية والنهج ودخولنا في احلاف واتباعنا لسياسات إرضائية بسبب رغائبنا واكراهاتنا.
من غير الممكن لمجتمع ان يتقدم ما لم يحسم أسئلته المتعلقة ب.. من نحن؟ وماذا نريد ؟ نحن مجتمع انخرطنا في عملية غير مجدية لانهاء الصراع مع عدو يحمل أهداف معادية ولا يضمر لبلدنا الخير فكان علينا ان نبذل جهود اضافية لإثبات ان منهاجنا التعليمية غير عدائية وأننا نسير في نهج السلام الذي ظاهره براق ومضامينه مماطلة وخداع وتسويف.
النظرة التي تحملها ثقافتنا للانسان وقدراته وامكاناته وحقوقه وكرامته ومكانته في الكون والعالم بحاجة الى مراجعة جذرية وصياغة جديدة لاطلاق طاقات المجتمع وتحرير طاقة الافراد من المخاوف والسلبيات والتردد.
من غير المقبول ولا المعقول ان تبقى طاقة أساتذة وطلبة ومراكز وكليات الجامعات مقيدة ومنشغلة في قضايا النقل التي لا ترتبط بتحديات وقضايا المجتمع .
الحوار القائم بين الاجيال لا يخدم كثيرا رسالة التنوير والنهوض والتنمية التي تقول جامعاتنا بانها تحملها وتزعم مؤسساتنا التربوية بانها تعمل عليها .فاجيال الطلبة والشباب منهمكون في انشطة وقضايا واهتمامات لا تلتقي غالبيتها مع ما يعني الكبار او من يملكون السلطة . والتجارب التعليمية في المدارس والجامعات اقل متعة اليوم من تجارب الاجيال السابقة والعائد الاقتصادي للتعليم على المجتمع متواضع ان لم يكن خاسر.
في العديد من مدارسنا يتحدث الأساتذة والأسر التربوية عن خصائص الطلبة باعتبارهم لا يأبهون ولا يكترثون لما يقدمه الأساتذة من تعليم ولا تتوقف الادارات للسؤال عن مدى جاذبية هذا التعليم وسلامة الاساليب
بعض الاساتذة لا يقبل سماع حتى السؤال عن اذا ما حاولت المؤسسة التعليمية الاخذ بمبدأ تفريد التعليم ليكون ملائما لحاجات وميول الطلبة واهتماماتهم.
في رائيي ان جميع الطلبة يقبلون على المدارس في الايام الاولى بشغف ويصدموا عندما يجدوا ان التركيز على السيطرة والضبط اكثر مما هو على ايجاد اساليب لجعل العملية التعليمية اكثر متعة وإثارة
حشود الأساتذة في العلوم التربوية والرسائل الجامعية لا تضيف الكثير لا للتعليم ولا لمسيرة المجتمع بقدر ما تسهم في تزايد اعداد المطالبين باستحقاقات جديدة تتناسب مع الدرجات العليا التي حصل عليها البعض بجهد اقل مما تحتاج وضمن معايير تختلف كثيرا عن تلك المعايير التي كانت تشترط في من سيدخل مستوى الدراسات العليا مؤهلات وكفاءة وقدرات غير التي تولدت بعدما اصبح ذلك متاحا للجميع.
الأسر التي ترسل ابناءها لمدارس خاصة تحت الافتراض بأنها ستحصل على خدمات تعليمية موجهة تراعي قدرات وميول الطلبة تصدم هي الاخرى عندما ترى انها تحتاج الى مدرسين خصوصيين لجسر الفجوة بين ما تقدمه المدرسة ويحتاجه الطالب خصوصا اذا ما كان الطالب منخرط في برامج عالمية كتلك التي تديرها مؤسسات دولية ويجري تنفيذ اختباراتها وتصنيف طلبتها خارجيا .
منذ ايام تواصلت معي المدرسة التي يتلقي ابني تعليمه فيها لمراجعة اداءه الاكاديمي . وبعد حديث مطول مع منسقة الشؤون التعليمية افادت بأن علينا ان ننتبه الى اداءه الذي انخفض في الشهرين الاخيرين وانها ترى انه طالب بمستوى +A الا ان ذلك لم يحصل ...
في بحث الاسباب حاولت ان اقول للاستاذة باني اعرف ذلك واني ارسلته الى مدرستكم بما فيها من كفاءات لكي تجعلونه يؤدي بمستوى قدراته وان القاء اللوم على الرفاق والاهل فيه منطق لكن علينا جميعا وانتم بشكل خاص ان تستخدموا تقنياتكم ومهاراتكم وحرفيتكم لتحقيق ذلك واقترحت عليها بعض الاساليب التي يمكن ان تغير في ديناميكية تنازع السلطة بين الطالب والمعلم وتحولهم الى شركاء في الانجاز بدلا من خصوم يتنافسوا على من سيخضع ارادة الاخر او يحجمه .
احزنني اللقاء كثيرا وعدت للبيت لابحث عن مدرس يمكن ان يغلق الفجوة التي تحصلت نتيجة اهمالنا او ضعف المدرسين وافتقارهم الى الاساليب . سألت جارنا الذي كان له بعض الابناء في المدارس الخاصة فارشدني الى استاذ رياضيات قدير وقال انه الأقدر على تحقيق ما اتطلع اليه وابلغني انه يتقاضي ٤٥ دينار عن كل حصة وافقت مع انني استكثرت المبلغ وكلمت الاستاذ الذي اكتشفت اني اعرفه منذ اكثر من ربع قرن حيث عملنا معا مدرسين في احدى البرامج الدولية .
بعدما تبادلنا التحية واسترجع بعض الذكريات اطلعته على الحالة وقلت اننا على أبواب امتحانات واتمنى ان تتعاون معنا على اصلاح ما أحدثه الاهمال .. استجاب الاستاذ وحضر في اليوم التالي وأعطى درسه الأول لعبود بعدما شخص مستواه بحرفية عالية .
المفاجأة عند سؤالي للصديق استاذ الرياضيات حول ما تأمره عندما قال انا في العادة بأخذ ٧٠ دينار ع الحصة بس خليها علينا .
المهم في هذا الجزء من الرواية ان الفارق فيما ينبغي أن يحصل عليه الطالب من التعليم وما تقدمه مدرسة أردنية متوسطة يصل الى ٥٦٠ دينار في مادة واحدة شهريا وبما يعادل ٤٦٨٠ دينار خلال تسعة اشهر ...
واذا افترضنا ان الطالب يحتاج إلى مثل هذه المساعدة في ثلاثة او أربعة مواد فإن المبلغ سيتجاوز ال١٥٠٠٠ دينار ...
اعرف ان بعض الطلبة لا يحتاجون ذلك واعرف ان رسوم صديقنا مدرس الرياضيات أعلى بضعفين او اكثر مما يتقاضاه المدرسين الا ان ذلك يؤشر على حجم الهدر وضعف الانجاز لنظام تعليمي كنا نتمنى بقدرته على توجيه مجتمعنا نحو التميز في محيطنا العربي.
خلاصة ما أردت قوله اليوم اننا نغوص في أزمة نساهم في تعميقها مع كل محاولة اصلاح....


  • مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/29 الساعة 20:13