أمي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/29 الساعة 01:59
كانت أمي تحب متابعة المعارك, أتذكر أنها أخبرتنا بأن العراق حتما سينتصر وسيقوم بطرد الغزاة... وأتذكر أنها كانت تجلس على التلفاز لمتابعة أخبار الإنتفاضة الأولى, وعاصرت الإنتفاضة الثانية وحصار عرفات.. أمي كانت قومية بالفطرة..
كانت تجيد طبخ المقلوبة, بأنفاس قومية... كانت أيضا تقوم بغلي الميرمية لي حين يداهمني برد تشرين, على جمر الإنتفاضة الفلسطينية... وأمي أعدت السلطة, بحراب بنادق الجيش العراقي... أمي أيضا كانت تقوم بنشر الغسيل... على الهوى الدمشقي.. هواء الشام كان يذوب القلب, كيف إذا لا يجعل الغسيل هو الاخر يذوب.أحيانا أتحسر أنها لم تعاصر حرب غزة, لو عاصرتها لأمضت يومها بالدعاء ولذرفت دمعة مع كل (فيديو) تبثه المقاومة, ولوجهت وابلا من الأدعية ضد إسرائيل وأمريكا... في ذات الوقت أقول من الجيد أنها لم تعاصر تلك الحرب.. فمناظر الشهداء والأطفال ربما ستفطر قلبها.. ربما ستجعل دمعة حرى تسيل على خدها مع كل صلاة..أنا لم أتعلم القومية من ميشيل عفلق ولا من أنطوان سعادة, تعلمتها من (مسبحة أمي) وهي تتابع إذاعة صوت الجماهير من العراق, وترصد أخبار الهجوم الإيراني على قاطع المحمرة... تعلمت أن فلسطين ستبقى عربية, من حديث أمي عن القدس حين كان التلفاز يعرض أغنية فيروز (زهرة المدائن)..وتبدأ هي بشرح الأماكن في التي زارتها في القدس..حدثتني عن باب المغاربة, حدثتني عن أبواب القدس كلها عن الأسواق... وعن الحياة على تراب كل ذرة منه تحمل من الطهر ما يعادل حجم السماء وقراب الأرض.. تعلمت أيضا تحليل المعارك منها... فهي دائما تلجأ للصلاة والدعاء, كانت الصلاة بالنسبة لها مجرد حشد مهم من أجل الدعاء للعراق وفلسطين..وكان الدعاء يمثل كتيبة مدرعة ستتجه للجبهة... وحالما تأخذ أماكنها ستبدأ بالقصف..أمهات اليوم يختلفن عن أمي كثيرا... تبدلت الأنفاس القومية, بأنفاس مشارع التمكين.. بأنفاس الكوتا, واخر مرة شاهدت إعلانا عن سيدة قررت خوض الإنتخابات.. ونشرت تحت الإعلان جملة تقول: (ابنتكم التي لن تخذلكم).. منذ متى كانت النساء تخذلنا, في زمن أمي كانت النساء تمثل.. الحياة والنصر والكبرياء...كم أحن لأمي.. لأنها في الحروب كانت سترة قلبي الواقية, كانت المتاريس التي تحمي قلبي من الخذلان... كانت اللواء المدرع الذي لا يهزم.. أين ذهبت الأمهات؟ لا أعرف ولكني أفتقد أمي.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/29 الساعة 01:59