دبلوماسية الشتائم: بايدن يتطاول 'مُجدّداً' على بوتين؟

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/28 الساعة 01:30

يوم السبت الماضي وفي حديثه أمام خريجي الأكاديمية العسكرية الأميركية في «ويست بوينت»، أشار الرئيس الأميركي/ بايدن إلى أن «واشنطن تُواصل تزويد كييف بالأسلحة وتدريب الجيش الأوكراني.. مُضيفاً على نحو لافت ومقصود أنه «لا يُوجد جنود أميركيون في أوكرانيا، وأنا مُلتزم بإبقاء الأمر على هذا النحو». في ردٍ كما يبدو على دعوات من بعض قادة الدول الأوروبية الـ«ناتوية», وخصوصاً الرئيس الفرنسي/ماكرون ودول البلطيق الثلاث, كما بولندا وبريطانيا وبخاصة أمين عام الحلف/ستوتنبرغ, إرسال قوات إلى أوكرانيا, بعد الهزائم التي لحقت بالجيش الأوكراني, ومع إقتراب موعد إنعقاد ما يسمى «قمة السلام» وفق «صيغة زيلينسكي», التي ستُعقد في سويسرا أواسط شهرحزيران الوشيك بغياب «روسيا», التي تراه «مُجرد تجمّع لن يُقدِّم أي قيمة مُضافة». علماً أن رئيس النظام الأوكراني «ناشدَ» أول أمس..(قادة العالم الذين ما زالوا «بعيدين عن الجهود العالمية لقمة السلام» وتحديداً الرئيس الأميركي/بايدن والرئيس الصيني/شي جين بينغ، المشارَكة، مُضيفاً - في إستجداء اليائس - مِن فضلِكم أظهِروا قيادتكم, من خلال دفع عملية السلام قُدماً، وهنا أقصد السلام الحقيقي وليس وقفاً مؤقتاً للضربات).

ما يعنبنا في هذه العجالة ليس فقط تركيز بايدن على دعمه نظام زيلينسكي في أوكرانيا, ونظام جزيرة تايوان الإنفصالي, الذي إزداد تطرفاً بنزعة إنفصالية مُعلنة, تؤججها الولايات المتحدة خاصة مع وصول الرئيس التايواني الجديد/لاي تشينغ - تي, الذي كان نائباً للرئيسة الإنفصالية السابقة/ تساي إنغ - وين. بقدر ما نوَدّ الإشارة إلى الوصف المُهين «الجديد» الذي أضافه الرئيس الأميركي/بايدن إلى سلسلة الأوصاف/الشتائم, التي أطلقها بحق نظيره الروسي/بوتين. عندما قال السبت الماضي: نقف إلى جانب أوكرانيا وسنواصل دعمها. نحن ـ أضافَ بايدن - نُواجه رجلاً أعرِفه منذ سنوات عديدة، «رجلاً طاغية وقاسياً». لا يمكننا أن نتراجع ولن نتراجع.
وإذا كان الرئيس الأميركي أطلق خلال السنوات القليلة الماضية, على الرئيس بوتين وصفَ «قاتل» و«مُجرم حرب» ثم «جزار» وأيضاً «طاغية»، في مسعى مكشوف لإستفزاز سيد الكرملين ودفعه للرد بالمثل وإطلاق أوصاف وألقاب كتلك التي لا يتوقف منافسه الجمهوري/ ترمب عن وصف بايدن بها, فإن ظنه قد خاب, حيث اكتفى ناطق الكرملين/ بيسكوف, كما السفير الروسي لدى واشنطن/انطونوف بإدانة ما صدر عن بايدن وإنتقاد لجوئه الى أساليب هابطة, تُسيء ليس فقط إلى الشعب الروسي ورئيسه, بل وتنعكس سلبا على الرئيس الأميركي نفسه, حيث لا يليق برئيس دولة يزعم ان «لا غنى للعالمِ عنها» وانها الدولة «االديمقراطية» والقوة العظمى الوحيدة في العالم, أن يهبط رئيسها إلى هذا المستوى في مُخاطبة «نظرائه» في العالم, بكل ما تعكِسه من إستعلاء وغطرسة وغرور.
صحيح أن الرئيس بايدن أراد توظيف كلمته في حفل تخريج «ألف طالب» من طلبة الأكاديمية العسكرية في وست بوينت لرفع أسهمه الإنتخابية، بعد الإنتقادات اللاذعة بل والإتهامية التي وجّهها له طلبة الجامعات الأميركية في أكثر من مناسبة, حدّ إتهامه بالمشاركة في «الإبادة الجماعية» التي يشنّها جيش الفاشية الصهيونية, بأسلحة أميركية, وبحماية أساطيله ومعلوماته الإستخبارية, غير أن بايدن رفع سيف التحدّي وانخرط في حال «إنكار» ومزاعم لا تستقيم والواقع, سواء في أوكرانيا حيث يتواصل تراجع الجيش الأوكراني واحتمالات إنهياره واستسلامه, أم الفشل الأميركي في «لجم» مُجرم الحرب/نتنياهو, الذي لم يتردّد في تحدي بايدن وفريقه, رافضاً أي تلميح (حتى نقول تهديد) أميركي, بوقف, شحنات الأسلحة وخاصة القنابل الثقيلة, التي بها يقصف الفاشيون الصهاينة مخيمات النزوح ومساكن أهالي قطاع غزة المُتواضعة.
شدّد بايدن مُتفاخراً في كلمته, على ما اعتبره «الدور الحيوي» للدعم الأميركي الذي تقدمه للحلفاء في أرجاء العالم، بما في ذلك لدولة العدو الصهيوني وأوكرانيا ومنطقة المحيط الهادئ والهندي/ تايوان والفيلبين. لافتاً إن الجنود الأميركيين «يشتغلون على مدار الساعة» لدعم أوكرانيا في محاولاتها صد الهجوم الروسي الذي بدأ قبل أكثر من عامين، لكنه استدرك بتكرار التزامه بـ«إبقاء الجيش الأميركي بعيداً عن خطوط المواجهة».
كما تطرّق إلى دور الولايات المتحدة الداعم في «التصدي للصواريخ التي أطلقتها إيران, في اتجاه الكيان العنصري في الثالث عشر من نيسان الماضي, رداً على استهداف مبنى قنصليتها في ريف دمشق, الذي أدى لمقتل القائد في الحرس الثوري الإيراني/العميد محمد رضا زاهدي، بالإضافة إلى مسؤولين إيرانيين آخرين.
ذلك كله لا يشفع للرئيس الأميركي ولا يمنحه الحق الأخلاقي والسياسي, حتى في غمرة دفاعه المُستميت عن النظام «القائم على القواعد», الذي بنته الولايات المتحدة بعد إنتهاء الحرب الباردة, أوائل تسعينيات القرن الماضي, والذي بات آيلاً للسقوط والإندثار, أن يُكرس «دبلوماسية الشتائم» في عالم يستعد لطي صفحة التفرّد الأميركي في كتابة جدول أعمال لعالم جديد مُتعدد الأقطاب, لن يتكون «عاصمته/ مرجعيته» واشنطن, بل هي مجرد عاصمة من بين عواصم متتاوية في الدور والتأثير, بعيداً عن عنصرية الرجل الأبيض وفلسفته الاقتصادية والمالية, القائمة على نهب ثروات الشعوب تحت طائلة الغزو وشن الحروب والحصار والعقوبات.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/28 الساعة 01:30