رسائل إلى الله تعالى

مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/08 الساعة 00:33
اتصلتْ بي إحدى السيدات تشكو من مشاكل عائلية تحصل في كل البيوت تقريبًا، ولكنْ ما لفت انتباهي أنها قالت: ولمّا أدْخلَ زوجي الحزن في قلبي، ذهبتُ إلى غرفتي، وكتبتُ رسالة أشكو فيها زوجي إلى الله. فقلتُ لها: هل تقصدين أنك كنت تخاطبين الله وتناجينه؟ فقالت: لا، كتبت رسالة ورقية وخطية إلى الله، وعندي دفتر كامل مليء بهذه الرسائل، فقد تعودت منذ صغري أنني كلما واجهتني مشكلة ما، توجهت لغرفتي، وكتبت رسالة لربي. أعترف –شخصيًّا- أنه لم يسبق لي أنْ سمعتُ بمثلِ هذا النوع من الخطاب من قبل. الظاهر أنّ هذه السيدة تقوم بعملية تنفيس لما في صدرها، مما يخفف من حجم المشكلة عندها، ويريحها من الناحية النفسية. ثم إن إيمانها بأن الله تعالى يسمع ويرى، وأنه على كل شيء قدير، يعطيها مزيدًا من الراحة والثقة بالنفس. وهنا خطر على بالي سؤال: لماذا عَدلتْ هذه السيدة عن المخاطبة والكلام باللسان لتتجه إلى الورق والكتابة، مع أن المخاطبة باللسان أكثر سهولة. ثم لمع سؤال آخر: ما القيمة التي يحملها دفتر هذه السيدة الذي عَنوَنَتْهُ بـ (رسائل إلى الله) من الناحية الاجتماعية والنفسية؟ ربما كان مصدرًا ثريا يستحق الدراسة. ثم ما هي نهاية كل شكوى أرسَلَتْها عبر كتابتها؟ وكم عدد الشكاوى التي حُلّت؟ وكيف كانت النهايات؟ أسئلة كثيرة ربما خطرت على ذهني من باب الفضول العلمي. لكن أليس لكلّ واحد منّا دفتره غير المرئي الذي يتضمّن شكاواه، وآلامه، وآماله، وطلباته، وأحلامه، نعم لدينا ذلك المخزون الشفهي الكبير، فكيف كان هذا المخزون؟ إن الأسئلة السابقة نفسها ترِدُ هنا، والفائدة منها، أنها تمكّن الإنسان من معرفة حقيقته، وطبيعة علاقته مع خالقه. ربما كان شعور الضعف مقيتا، إلا أنه يصبح جميلا إذا أظهر العبد ضعفه لخالقه، وربما كان شعور الذلة مذمومًا، إلا أنه يصبح مقبولا ومحمودًا إذا كان من العبد لخالقه، إنَّ تحققَّ الإنسان بحقيقة العبودية لله هي المتعة العظمى، ففي هذا الضعف والذلة قوة له وعزّة، وربما كان الخطاب بين العبد وربّه يحمل بعضًا من هذه الرسائل. إن اللجوء إلى الله، وعرض الحوائج عليه، يحمل سموًّا روحيًا منقطع النظير؛ لأنّ الإنسان يعود بنفسه لبداية نشأته، وقربه من خالقه، إنها تذكير بالنشأة الأولى، وحنين إلى التخاطب الذي كان في زمن مضى، حيث أُخذ الميثاق على الناس في عالم الذرّ. ولا شك أنّ الإنسان المؤمن لا يزال يطرب بسبب سماعه ذاك الخطاب في ذاك الزمن الذي لا يذكره، لكنّ خلاياه كلها تعيش متعته، وتشتاق إليه، وتحسّ بسببه بالقرب من الله. وأسأل الآن، لو أتيح لكل واحد منا أن يكتب رسالة خطية إلى الله، ماذا سيقول فيها، ما الحوائج التي سيطلبها، وما الرغائب التي سيتمناها، وما المصائب التي سيطلب دفعها؟ إنّ اختبارًا بسيطا مثل هذا سيوضح كيف نفكر، وبماذا نفكر؟ لا شك أنّ فريقا منّا سيهتمّ بالموضوعات الدنيوية المختلفة، من المال والبنين، والعقارات، والسيارات، والرحلات، وغيرها. لكنْ هل سنحظى بمنْ يطلب الأمان للبلاد، والسلامة للعباد، هل سنقرأ طلبا أنْ يفرّج الله عن الأمة الإسلامية، وعن البشر جميعًا، هل سنرى من يشكو من ضعف الأمة ووهنها، وذهاب مقدساتها؟ عندما نتوجّه إلى الله القادر بحاجاتنا، فإنّنا نُظهر عبوديتنا له من جانب، ونُفصح عن شخصيتنا من جانب آخر، لكنْ قبل أن نسأل عن رسائلنا التي أرسلناها إلى الله فلنسأل: ماذا عن رسائل الله التي أرسلتْ إلينا؟ الدستور
  • مال
  • لب
  • إسلامي
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/08 الساعة 00:33