'موديز' وجلد الذات

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/18 الساعة 22:47

في خضم النقاشات الاقتصادية التي تعج بها الأوساط المحلية، يبرز صوت النقد كعنصر لا غنى عنه للحوار البناء والتقييم الذاتي، ولكن، هناك فرق شاسع بين النقد الموضوعي الذي يعتمد على الحقائق والبيانات، والنقد الذي يستند إلى المواقف الشخصية والأهواء الذاتية، وهذا ما يبدو جليًا في الشكوك التي تُثار حول الأداء الاقتصادي للأردن وتحديدًا التصنيف الائتماني الأخير الذي شهد تحسنًا ملموسًا.

من المهم الإشارة إلى أن التصنيفات الائتمانية ليست مجرد أرقام تُطرح في الفراغ، وهذا التحسن ليس نتيجة لوساطات أو مغازلات سياسية كما يحلو للبعض التشكيك، بل هو نتيجة جهود جادة من الحكومة لتحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي، ويجب أن نفهم أن رفع التصنيف ليس نهاية المطاف، بل هو دعوة إلى مزيد من الجدية في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية.
رفع التصنيف جاء نتاج تقييم معمق للوضع الاقتصادي والمالي للدولة، يعتمد على معايير دقيقة ومحددة تشمل الاستقرار الاقتصادي، قدرة الحكومة على سداد ديونها، والإصلاحات التي تُنفذ لتحسين البيئة الاستثمارية، فالإنجاز الذي حققه الأردن بتحسين تصنيفه الائتماني في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية المتردية هو دليل على جدية الحكومة في تبني سياسات مالية واقتصادية مستدامة.
لكن يبدو أن هناك من يفضلون تجاهل هذه الجهود، ويصرون على تسليط الضوء على السلبيات، مستخدمين منابرهم لنشر الشك وعدم الثقة دون تقديم بدائل حقيقية أو حلول عملية، حيث يتبنى هؤلاء منهجًا يُظهر ازدراءً للإنجازات وتجاهلًا للتحديات الحقيقية التي تواجهها الدولة، ولذلك إن مثل هذه الممارسات لا تُعزز من نهج التقييم الذاتي البنّاء، بل تُضعف من عزيمة الإصلاح، وتُبطئ من وتيرة التقدم الاقتصادي.
التحدي الحقيقي أمامنا ليس فقط في الحفاظ على التصنيف الائتماني وتحسينه، بل أيضًا في كيفية التعامل مع هذه النقدية العقيمة التي لا تسهم في دفع عجلة الاقتصاد قدمًا، كما يجب علينا أن نتجاوز الأساليب القديمة التي تركز فقط على النقد دون إيجاد حلول، وأن نعمل جميعًا من أجل تعزيز المنهجيات الإصلاحية التي من شأنها دفع النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة للمواطنين، وبالإضافة لذلك يجب أن نفهم أن التقدم الاقتصادي يتطلب جهودًا مشتركة ورؤية طويلة الأمد تراعي كل الجوانب المؤثرة، من السياسة المالية وحتى الاجتماعية.
ومن الضروري أن يكون النقد الذي نمارسه مبنيًا على أساس إستراتيجي يأخذ بعين الاعتبار الآثار طويلة المدى للقرارات الاقتصادية، فالنقد البناء ينبغي أن يتضمن أيضًا تقديم البدائل والحلول الفعّالة التي يمكن أن تساهم في تخطي العقبات واستغلال الفرص المتاحة لتحقيق تقدم حقيقي. علاوة على ذلك، يجب أن لا نتجاهل الدور الذي يلعبه التعاون الدولي والإقليمي في دعم سياساتنا الاقتصادية.
التحديات مثل الديون العامة والعجز في الميزانية تحتاج إلى تحليل دقيق وحلول مستدامة تأخذ بعين الاعتبار كافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.
وليتذكر الجميع بأن الأمم لا تُبنى بالشكوك والنقد الهدام، بل بالعمل الدؤوب والشفافية والتفاني في خدمة المجتمع.
ينبغي لنا أن نسعى لخلق بيئة إيجابية تشجع على الابتكار والمبادرة، وأن نعمل على تعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة من خلال التواصل الفعال والمفتوح. لننتقد، ولكن بروح البناء، مستهدين بالدروس المستفادة ومتطلعين إلى مستقبل مزدهر يرتكز على أسس صلبة من النمو الاقتصادي المستدام والعدالة الاجتماعية، فهكذا فقط يمكننا التغلب على المشككين وإثبات أن الطريق الذي نسلكه هو الطريق الصحيح نحو تحقيق التقدم والازدهار، والجميع يدرك أن الشجاعة بأثر رجعي ليست بشجاعة، ومن هو خارج المنصب الرسمي وعينه عليه لا يعتبر نقدا بقدر ما قد يكون نوعا من أنواع الابتزاز الرسمي المبطّن للدولة.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/18 الساعة 22:47