المفكر المغربي عبدالله العروي في يومياته في 'دفاتر كوفيد': لا حل دبلوماسياً بين المغرب والجزائر في قضية الصحراء المغربية

د. آمال الجبور
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/18 الساعة 12:50

انه متيقضٌ تجاه ما شهده العالم من تحولات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي صاحب كتاب"مفهوم التاريخ" المفكر المغربي عبدالله العروي، الذي تجاوز التسعين عاما، وهو يواصل تأملاته الفكرية باصدار جديد يوثق به يومياته في جائحة كورونا، مخترقاً الحدود والسياجات في قضايا متعددة في "دفاتر كوفيد" متناولا الاسلام والغرب والفلسفة والفكرالعربي والحرب الروسية الاوكرانية، ومُفْصِحاً ايضاً حول رؤيته التاريخانية لقضية الصحراء المغربية والعلاقات المغربية الجزائرية، كقضية تاريخية وسياسية تتسارع وتيرتها في المنتظم والمجتمع الدوليين في حراك عقلاني ورفيع المستوى من جانب الدبلوماسية المغربية لحل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، محققة تأيدا على المستويين الاقليمي والدولي "لمقترح الحكم الذاتي" للصحراء المغربية، ولقرارات جزائرية منفردة، تزيد من شدة الخلاف لميلاد تكتل جديد لشمال افريقيا بديلا عن الاتحاد المغاربي، على هامش قمة الغاز في الجزائر/ شباط 2024 بحضور ثلاثي لـ(الجزائر وتونس وليبيا) وغياب المغرب وموريتانيا، مما اثار اسئلة كثيرة في الاوساط السياسية والاعلامية الاقليمية والدولية حول التكل الجديد ومآلاته على العلاقات المغربية الجزائرية المتوترة أصلا حول قضية الصحراء المغربية.

و بالرغم من التصريحات الرسمية للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن" التكتل ليس موجها ضد اي جهة" وان" الباب مفتوح لدول المنطقة وجيرانها في الغرب" الا ان الاجتماعات الاخيرة بخصوص التكتل الجديد اتخذ شكلا ثلاثيا،وحالت دون دعوة المغرب وموريتانيا، مما يستدعي وقفة وقراءة معمقة لما يدور في الشمال الافريقي، وانعكاساته على قضية الصحراء المغربية اساس الخلاف بين الجارتين، حيث ان الاستناد الى التصريحات والمواقف الرسمية قد لا يكون مقياسا موضوعيا لفهم الواقع والاسباب الحقيقية وراء كل ذلك.
واحدى هذه الوقفات جاءت في "دفاتر كوفيد" للمفكر المغربي عبدالله العروي الذي يستبعد حلا دبلوماسيا بين البلدين لقضية الصحراء المغربية فيرى أن" كل جهد الرباط في هذا الاتجاه يذهب سدى؛ لان الجارة لا تريد التفاوض" مؤكدا " عدم رغبة الجزائر يوما ما في التفاوض والنقاش" حتى " وان جاءت مبادرة من شخص على رأس الدولة" فالافق الدبلوماسي على ما يبدو حسب العروي مسدودا بين الجارتين لأسباب تاريخية محضة بالدرجة الاولى، مستندا بطرحه على منهجه التاريخاني الذي يتبناه دائما في قراءته للماضي بشكل موضوعي واحاطته بالوقائع التاريخية لفهم الواقع السياسي وفهم تجلياته.
قضية الصحراء المغربية اخذت حيزا كبيرا في يومياته باعتبارها جزءا لا يتجزء من التراب المغربي والدولة التاريخية لمملكة المغرب، مستوقفا في بداية يومياته على ما اصبحت عليه العلاقات الاخوية بين الشعبين " فاننا شعب واحد، لكن الحقيقة اننا في مواجهة شعب اخر" وعلى" الرغم من المظاهر فنحن لا نتكلم نفس اللغة، حتى وان كنا نستعمل نفس اللهجة".
ويستطرد، هذه العلاقة كان لها تبعياتها غيرالعقلانية لمواقف الجزائرين السياسية والايدولوجية بخصوص الصحراء ومتسائلاً" ما هي ايدولوجيا النخبة الجزائرية، سواء كانت في السلطة اليوم او لا؟" وما هي منابع المعرفة لدى الجارة التي" لا نعرف ماذا يدرس الشباب الجزائري في اقسام الدراسة حول ماضيهم، وماضي الجزائر، لا نعرف ماذا يُدَرس بمدارس الادارة والثانويات العسكرية، وما يتعلمه الموظفون والدبلوماسيون والضباط، وغيرهم طوال سنوات، ويواصلون قراءته من المنشورات الرسمية، لن يمحى من عقولهم بين ليلة وضحاها".
ويضيف ان الحقيقة لا تنبع من المنشورات الرسيمة والايدولوجية، انما بالعودة الى تاريخ الدولة وحدودها الاصلية " حيث نتحدث عن الدولة التاريخية والحدود الاصيلة، والولاء وغيرها، يكفيهم ان يأخذوا هذه التصريحات الرسمية وعرضها امام حلفاءهم في افريقيا وامريكيا اللاتينية وحتى العرب لتبرير تحليلاتهم".
ويضيف العروي ان عددا من الاراضي على التراب الجزائري هي مغربية في الاصل، كانت تابعة للنفوذ المغربي وتم الحاقها شيئا فشيئا بالمستعمرة الفرنسية، مضيئا باسئلته أهمية تناول تاريخ الاستعمار وسياساته في الشمال الافريقي، الذي حال دون تفاهمات بين الجيران، لحد اغفال حقائق التاريخ ومحاولة طمسها في اجتزاء الاراضي وترسيم الحدود فهل" يعرفون ان ثلاثة ارباع الجزائر الحالية لم تكن جزءا من الجزائر التركية، وان هذه الاراضي تم الحاقها شيئاً فشيئاً بالمستعمرة الفرنسية؟" فـ" خلال كل هذا التاريخ، لمن كانت تتبع هذه الاراضي؟".
لا يتوقف العروي وهو يوقد باسئلته ذاكرة الجارة بساكنيها و ملوكها " علينا أن نعرف ان هذه الاراضي كانت بها ساكنة مسلمة، لم يكن لها أن تبقى من دون بيعة، والا بإسم من كان يرفع الدعاء خلال خطبة الجمعة؟ البيعة لا يمكن أن تكون إلا للسلطان المسلم الاقرب، وهذا السلطان المسلم كان ملك المغرب"
" دفاتر كوفيد" تُظهر على السطح اهمية الموقف المغربي الرسمي والشعبي في حماية وحدته الترابية فـ" المغرب لا يطالب بأراضي كانت تابعة له في الماضي البعيد، لكن تلك التي كانت تابعة له عن طواعية،عن طريق البيعة، قبل ان تسقط في يد الهيمنة الاستعمارية قبل 60 سنة، كما هو الحال في تندوف" مضيفا " توسعي، هو الذي يريد اخذ ارض ليست له بالقوة، وحدودي هو الذي يواصل المطالبة بحق شرعي في تراب انتزع منه بالقوة".
مضيفا أن" الجزائريين لا ينفون هذه الحقائق وليس بامكانهم ذلك،غير انهم يقولون ان كل ذلك عفى عنه الزمن مع النظام العالمي الجديد، حيث اغلبية الدول شبيهة بالجزائر لا المغرب، فبالنسبة للجزائريين ما دام ان المغرب لم يصرح بشكل رسمي بتخليه عن كل شكل من اشكال المطالبة الترابية، فسيبقى يُنظر اليه كبلد توسعي، وبالتالي خطرا على الوحدة الترابية للجزائر كما تم تحديدها خلال اتفاقية إيفيان"
ويؤكد العروي ان الصحراء المغربية ارض مغربية منذ التاريخ البعيد وجزء لا يتجزء من وحدته الترابية، لذلك" ينطلق الخطأ في قضية الصحراء من تأمل وضعها كما هي عليه اليوم، علينا ان نعود حينما كانت اسبانيا موجودة، وكان عدد السكان رسميا 70 الف نسمة، لا احد كان يفكر في امكانية وجود دولة في مثل هذه المنطقة".
لذلك يرى العروي في "دفاتر كوفيد" ان قضية الصحراء المغربية طالت كثيرا الى درجة ان الاغلبية، بمن فيهم الدبلوماسيون، تبدو كما لو انها نسيت مقدماتها، لذلك صار من السهل اليوم وفق تعبيره، بالنسبة لدبلوماسي جزائري شاب أن يقول بحسن نية أن القضية تتعلق بشعب مقموع، لا يطالب أكثر من حقه، مطالبا الامم المتحدة بأن تلزم المغرب بقبول تنظيم استفتاء تقرير المصير"
طاوياً "دفاتر كوفيد" بسؤاله، لماذا عليه أن يذهب للبحث بعيداً؟ هذه بالنسبة اليه هي الحقيقة التاريخية الوحيدة، اذا كان قد راى النور، فما نقوله نحن هو التلفيق الخالص، ومع ذلك فالحقيقة هي شيء آخر".
ان قضية الصحراء المغربية تعتبر قضية اساسية في السياسة المغربية، يدافع بها عن صحراءه عبر القنوات الدبلوماسية الدولية باعتبارها جزءا لا يتجزء من وحدته الترابية، وكونها ايضا معيارا يقيس بها علاقاته وشراكاته مع دول العالم، لذلك شهدت الدبلوماسية المغربية اعترافات دولية متسارعة بمقترح المغرب في " الحكم الذاتي للصحراء المغربية" على "استفتاء تقرير المصير" الذي تقدمت به جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، لحل النزاع المفتعل على الصحراء المغربية منذ عقود.


مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/18 الساعة 12:50