الإنسانيّة في وقت الحرب وفي وقت السلام
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/13 الساعة 02:39
على مدار يومين انعقد في عمّان مؤتمر هام تحت عنوان: "الإنسانيّة في وقت الحرب وفي وقت السلام"، كشراكة تاريخيّة بين المعهد الملكي للدراسات الدينيّة في الأردن، ودائرة الحوار بين الأديان في حاضرة الفاتيكان. هذا ليس المؤتمر الأول الذي يحصل بينهما، إنما هنالك تعاون دائم وملحوظ بين المركزين الهامين اللذين يعنيان بالحوار بين أتباع الأديان، ومنذ عشرات السنوات.ترأس الوفد الفاتيكاني الكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان في العراق، بصفته عضوًا في دائرة الحوار الفاتيكانيّة، والتي يترأسها الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو الذي لم يتمكن من الحضور لأسباب صحيّة. كما تكوّن الوفد الفاتيكاني أيضًا من الأب خالد عكشة الذي يعمل في الدائرة منذ ثلاثين عامًا، وهو أردني الجنسيّة، ومن البطريركيّة اللاتينيّة، وله بصمته الخاصة في هذا المجلس، ويترأس حاليًّا مكتب الحوار مع العالم الإسلامي. كما شارك في الوفد كل من السفير البابوي لدى الأردن المطران جيوفاني توسو، وكاتب هذه السطور وعدد من الكهنة العاملين في الدائرة الفاتيكانية، ومختصون بالحوار وثلاثة شباب من الأردن باسل شطارة وفلسطين ندين البيطار والعراق لونا حازم.أمّا الوفد الإسلامي، فترأسه سمو الأمير الحسن بن طلال، وتكّون من العديد من الشخصيات المعروفة بتأثيرها في الحوار وفي إعطاء كلّ الزخم للتلاقي بين أتباع الأديان، ليس كمجاملات عابرة إنما كفكر وتعاون ونظرة تآخحقيقي بين أتباع الديانتين الإسلاميّة والمسيحيّة.اشتمل اللقاء بعد الجلسة الافتتاحيّة التي تحدّث فيها كل من رؤساء الوفود، على جلسات مغلقة تميّزت بالحوار الهادئ بالصراحة، بالجديّة، وبالنظرة اللاهوتيّة والفلسفية، على ما يمكن للإنسانيّة أن تعيشه في أوقات الحرب، وهذا ما تمّ تسليط الضوء عليه وبالأخص في غزة التي حرّكت العالم كلّه على صغر مساحتها الجغرافيّة، فالعالم منذ سبعة أشهر لم يكن العالم الذي نعرفه، بالإضافة إلى تحرّكات الطلاب الجامعيين الذين اثبتوا أنّ هنالك ضميرًا حيًّا ما زال يقظًا وموقظًا في هذا الوجود.كما تمّ تسليط الضوء على ما يمكن للإنسانيّة أن تعمل في أوقات السلام، والتأكيد على الكرامة الإنسانيّة، والتربيّة والتنئشة على احترام الآخر مهما كان مختلفًا إثنيًّا أو دينيًّا، وكذلك على النظرة نحو المستقبل بنظرات مشتركة. وهنا تمّ الإشارة إلى المؤتمر الذي تعتزم الأمم المتحدة على البدء به في أيلول المقبل ويسمّى "قمة المستقبل".وبما أنّ المؤتمر قد عقد في تداخل مع مناسبات عزيزة عديدة مثل اليوبيل الفضي لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، ومرور ثلاثين عامًا على تأسيس المعهد الملكي للدراسات الدينيّة، وكذلك ثلاثين عامًا على إنشاء العلاقات الدبلوماسيّة بين المملكة الأردنيّة الهاشميّة والكرسي الرسولي، وعشرين عاما على رسالة عمّان، وعشر سنوات على زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى الأردن، وخمسة عشر عامًا على زيارة البابا بندكتس السادس عشر، وستين عامًا على زيارة البابا بولس السادس، فقد تمّ عرض من كاتب هذه السطور لتطوّر العلاقات بين الأردن والفاتيكان، كخاتمة لجلسات المؤتمر. وفي هذا الصدد، قلت بأنّ العلاقات بين الأردن والفاتيكان هي علاقات صداقة ومودّة، وكانت أصلاً قائمة قبل إنشاء العلاقات الرسميّة قبل ثلاثة عقود، أي قبل 3 آذار عام 1994، الوقت الذي فيه أعلن عن إقامة العلاقات رسميًا بتمثيل متبادل للسفراء.الجميل في الأمر، مع انتهاء هذا المؤتمر، تلاقي عدّة شخصيات لها حضورها البارز في هذا المجال، ولكن أيضًا النظرة نحو السلام في الأرض المقدّسة، وفي القدس الشريف، كونها المفتاح والحلّ لقضايا عالميّة، فالسلام في القدس سيكون سلامًا بلا شكّ في أرجاء الأرض. ولكن يتساءل الإنسان: هل تجدي مثل هذه المؤتمرات في تعميق المودة والتلاحم والإخاء بين مختلف أتباع الأديان؟ الجواب طبعًا نسبي، ولكن البذار الصغيرة تخرج على الدوام ثمارا يانعة. الجميل أنّها تحدث، وهذا هو شأن التعاون بين الأردن والفاتيكان في أن تعقد هذه المؤتمرات بتداول وتداور بين الطرفين. والاهم من ذلك اننا نشكر الله على ان هنالك زارعي خير وباذري الكلمة الطيبة... والله تعالى هو الذي ينميها كما يشاء.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/13 الساعة 02:39