الفساد.. حاضنات وأعشاش

مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/07 الساعة 00:14
الفساد آفة تنتشر في العالم كانتشار النار في الهشيم. للفساد أشكال بعضها مالي وآخر إداري وثالث قيمي ورابع قانوني وخامس سياسي...الخ. بعض المجتمعات المعاصرة تتعايش مع الفساد والبعض الآخر يسعى الى محاصرته والقضاء عليه. الكثير من الفساد المالي يتولد في الظروف التي تجتمع فيها السلطة مع المال أو يتقاطعان.. وفي تاريخ معظم البلدان، شكلت مراحل الخصخصة وتغيير التشريعات والتحول فرصا مغرية للعديد من الجماعات والأفراد ممن تولوا تنفيذ هذه العمليات نيابة عن القطاعين العام والخاص. وجود أي نوع من أنواع الفساد والسكوت عليه يغري المزيد ممن يملكون السلطة ومن يودون تعظيم مصالحهم الخاصة الى الدخول في صفقات جديدة بعد أن يرسموا استراتيجيات وخططا فعالة تتضمن دمج أصحاب نفوذ وإيجاد شبكات وتوفير غطاء حماية قانوني وتشريعي وإعلامي. في اليابان وكوريا، قد يقدم الفاسد على الاستقالة أو الانتحار. وفي كوريا الشمالية قد يقود الرئيس كيم سونغ الفاسد بنفسه الى حفرة ليهوي فيها ويختفي الى الأبد. أما في بعض البلدان فقد يقدم الشعب الى إلقاء الفاسدين في حاويات النفايات ويرمونهم بالحجارة، وما تزال غالبية بلدان العالم تحاكم الفاسدين وتلقي بهم في السجون حتى وإن كانوا رؤساء وسياسيين. في بلادنا كان الحرص على المال العام كبيرا والفساد محدودا، وكانت الروح المعنوية للمواطن الأردني في أعلى درجات النبل والسمو. القصص التي نسمعها عن رسالة توجهها الدواوين الرقابية لإحدى المؤسسات للتأكد من دفع أحد الأشخاص ثمانية قروش بدل المكالمة الهاتفية الخاصة التي أجراها من الهاتف الرسمي من الأمثلة الناصعة على النزاهة والصدق والأمانة التي تحلى بها القطاع العام في تلك الأيام، وهي التي خلقت حالة من الاطمئنان لدى المواطن على المال العام وسبل التصرف فيه. حوادث الفساد التي تناقلتها الروايات عن السلوك الوظيفي لبعض العاملين في فترة نشوء الدولة وما أعقبها محدودة، وقد لا تتجاوز قصصا على شاكلة أن فلان تقبل هدية أو برطيل مقابل خدمة سهلها لمن قدم له البرطيل، ولم يكن أحد يتجرأ على المال العام. اليوم نسمع عن أشخاص بلا ثروة أو ميراث يحلون في مواقع عامة فيودعون الفقر ويشيدون إمبراطوريات من الأعمال المتنوعة بشراكات تعود عليهم بثروات فلكية. لسنوات طويلة، شكلت مواضيع الإثراء غير المشروع واستغلال الوظيفة العامة وقبول الرشوة ودخول الشخصيات العامة في شراكات مشبوهة وإقبال أصحاب الأعمال على الترشح لمقاعد البرلمان وعمل البعض منهم لدى أصحاب مصالح وأعمال كمستشارين ومحامين وحصول بعض من شغلوا مواقع عامة على رخص يصعب الحصول عليها من قبل غيرهم لمطاعم سياحية ونواد ليلية ومقاه تقدم الأرجيلة في مواقع يختارونها؛ شكلت مادة لحديث المجالس وتطوير الإشاعات ومبررا معقولا يفسر تدافع من تنقصهم الخبرة والاستعداد والدراية والتاريخ المهني لعمل كل ما يمكن من أجل الفوز بمقعد نيابي باعتباره التذكرة الآمنة للثراء والاختراق الطبقي الذي لا تحققه وظيفة أو دور آخر. استجابة الدولة لمواجهة حالات الفساد التي حظيت باهتمام الرأي العام اتسمت بالغموض والتردد وأثارت زوبعة من الانتقادات، إما لهروب المتهمين أو لخروجهم بعد حين، أو لعدم اطلاع الجمهور على كامل الوقائع والأدلة والمجريات والتسويات، الأمر الذي أضعف الثقة بآليات الرقابة ومكافحة الفساد. اليوم تدخل حكومة الرزاز اختبارا عسيرا تتراوح نتائجه بين أمرين؛ الأول: النجاح في مسعى مكافحة الفساد والحصول على تأييد شعبي وأهلي وعالمي يعيد لمجتمعنا الثقة بنفسه ومؤسساته وقيمه وينعش الآمال بمستقبل زاهر ينعم فيه المواطن بالعدالة والأمن والفرص المتكافئة في ظل سيادة القانون، والثاني: الاكتفاء بالإجراءات الشكلية المتخذة وترك أمر المتابعة بحجة أن الحكومة أحالت الموضوع الى الجهات المختصة التي ستقوم بدورها. عندها سيفقد المجتمع كل أمل ويتحول المجتمع الى شلل وجماعات وربما ميليشيات ترعى مصالح سادتها ومسيريها. الدعم العلني الذي أعطاه الملك لحكومة الرزاز بطاقة ذهبية يمكن استثمارها في التركيز على هذا الملف والسير بإصلاح إداري سريع يطهر المواقع الإدارية والمؤسسية من المئات ممن كانوا على صلة بفضيحة التبغ والقضايا الأخرى المنظورة. التباطؤ في معالجة هذا الملف لا يخدم العدالة ولا يبدد فوضى الإشاعات والأخبار التي تتوالد بأكثر من قدرة المتلقي على الاستيعاب والفهم. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/07 الساعة 00:14