جرادات يكتب: (سارق النار) والتكنولوجيا في الإعلام الحديث

د. منذر سليمان جرادات
مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/04 الساعة 11:25

لقد كان لاكتشاف النار نقطة تحول رئيسية في حياة البشر فقد أدى اكتشافها للغوص في الكثير من المجالات مثل الطهي ومحاربة الحيوانات المختلفة من أجل الحماية أو الصيد ثم تطور إلى أن جير النار للصناعات والحروب وصارت تروى في القصص والأساطير القديمة ومن بعض هذه الأساطير ( سارق النار ) وهو بروميثيوس حيث تعتبر من أهم الأساطير الإغريقية ووفقا للأسطورة سرق بروميثيوس النار من زيوس ملك الآلهة وأعطاها للبشر لتمكينهم من التدفئة وطهي الطعام وصنع الأدوات حيث استندت هذه الأسطورة إلى فكرة البشرية وتطورها من خلال استخدام النار وتطوير التكنولوجيا .

وكانت فكرة سرقته للنار وإعطائها للبشر رمزا للتمرد على السلطة الإلهية وتقديم الثقافة والتكنولوجيا للبشرومع ذلك فإن عمله هذا جلب له عقوبة قاسية من زيوس حيث قام بربطه على صخرة في جبل وأرسل نسرا ليأتي كل يوم ويأكل من كبده .
إن في العديد من الروايات والقصص تظهر إساءة استخدام النار التي سرقت من قبل بروميثيوس بعد أعطاءها للبشر فالنار التي كان يعتقد في الأساطير أنها هدية من الآلهة لتحسين حياة البشر كانت أيضا سببا للمشاكل عندما استخدمت بشكل سيئ كاستخدامها في الحروب للقتل و التدميران هذه الاستخدامات السلبية للنار تظهر كيف يمكن للقوة والتكنولوجيا أن تسخر أيضا بشكل خاطئ إذا لم يتم استخدامها بحكمة وأخلاق وبحس انساني .
هذه القصة تعكس الفكرة الفلسفية حول مسؤولية البشر في استخدام القوة و التكنولوجيا بشكل إيجابي وأخلاقي وتحذر من العواقب السلبية لسوء الاستخدام وان ما يهمنا الربط بين الأسطورة واستخدام التكنولوجيا والإعلام في يومنا هذا حيث تكمن في فكرة المسؤولية الأخلاقية حيث كما كان على بروميثيوس أن يستخدم النار بحكمة وأخلاق في خدمة البشرية فإننا أيضا في العصر الحديث مطالبون أيضا بتطبيق المسؤولية الأخلاقية في استخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام بالشكل السليم فعلى سبيل المثال لا الحصر يجب على الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا و المطورين أن يضمنوا أن منتجاتهم لا تسبب ضررا للمجتمع أو تنتهك الخصوصية الفردية وأيضا على مستعمل هذه التكنلوجيا عدم إساءة استعمالها خصوصا في مجال الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي مثل بث الأخبار الكاذبة ونشر الإشاعة واغتيال الشخصية والعديد العديد من الأمثلة الكثيرة.
وأيضا مما نربطه من قصتنا توجيه الثقافة والقيم كما قام بروميثيوس بتوجيه الثقافة والتكنولوجيا للبشرحيث يمكن لوسائل الإعلام بالشراكة مع التكنولوجيا الحديثة أن تؤثر بشكل كبيرعلى ثقافتنا وقيمنا وتوجيه الرأي العام بالشكل الصحيح لذا يجب على الجميع الوعي للتأثيرات السلبية والعمل على تعزيز القيم والمعنويات الإيجابية في المجتمع والمساهمة في بناء مجتمع أفضل .
ومابين التوازن والقوة والأخلاق فكما تعلمنا من القصة يجب على البشر ايجاد توازن بين استخدام القوة والتكنولوجيا بحكمة ومنطق وبين المسؤولية الأخلاقية ويتعين علينا أن نسعى إلى استخدام التكنولوجيا وعلى وسائل الإعلام تعزيزها للخير العام وتحافظ على الأخلاق والقيم الإنسانية .
باختصار أن الربط بين قصة بروميثيوس والتكنولوجيا والإعلام في العصر الحديث يعكس الحاجة المستمرة لتطبيق المسؤولية الأخلاقية والتوازن بين القوة والأخلاق في استخدام التكنولوجيا لصالح الإنسانية .


مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/04 الساعة 11:25