العوران يكتب: الأردن والإقليم الملتهب قراءة في تحدي الجغرافيا

م. إبراهيم العوران
مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/25 الساعة 19:59
كما كان في سابق الوقت الموقع الجغرافي ميزة أساسية للأردن استثمرها عبر التاريخ إلى فرص ساهمت في تعاقب الحضارات وتراكم التاريخ في هذا الوطن، وقد أشارت كثير من الدراسات الانثروبولوجية والأثرية إلى أصالة هذا البلد ومركزيته في هذا العالم وقِدم عُمرالحضارة فيه، تتحول هذه الميزة إلى تحدٍ يتوجب التعامل معه بمبادئ السياسة الواقعية وتدوير الزوايا بحذر، فمنذ وقوع فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني، والأردن يواجه هذا التحدي وفي قلب منطقة لم تشهد الاستقرار منذ نشوء الدولة الأردنية الحديثة، مما أعاق ولا زال كثيرًا من عمليات التنمية والتحول الديمقراطي.
واجهت الدولة الأردنية منذ نشأتها كثيرًا من تحديات الجغرافيا، واستطاعت بدهاء وتفاعل واعٍ وثبات أن تعبر بالأردن كثيرًا من الاخطار والمنعطفات الخطرة رغم ما عصف به من ظروف وأزمات ، ونجحنا في الحفاظ على أمن البلاد واستقرار شعبه، ولأن التحديات الأمنية باتت أمرًا روتينيا بالنسبة لنا في الأردن، نحاول اليوم أن نقرأ أبرز هذه التحديات وأن نقدم إضاءة على اليات مواجهتها...
أولًا: التهريب، مع فقدان النظام في سوريا سيطرته على جزء كبير من اراضيه وحاجته الماسة الى مصادر التمويل وسيطرة الفصائل والميلشيات الإيرانية على الجنوب، هذه الفصائل التي تعتمد على تهريب المخدرات في تمويل نشاطاتها، نشطت هذه الميلشيات في تهريب المخدرات إلى الأردن، حتى وجدت ردًا أردنيا قويا من نشامى قواتنا في حرس الحدود الذين تصدّوا لهذه المحاولات ببسالة الجندي الأردني، وقد دعى هذا الأمر رئيس هيئة الأركان الأردنية إلى تغيير قواعد الاشتباك على الحدود الشمالية والشرقية مع استمرار محاولات التهريب بكثافة.
سياسيًا: احترمت الأردن سيادة سوريا على اراضيها واستمرت في مخاطبة نظامها لوضع حد لمحاولات الميلشيا الإرهابية إختراق حدود الأردن، إلا أنه لم تحصل أي استجابة من الطرف السوري، ليتوجه وزير الخارجية الأردني ليخاطب وزير الخارجية الإيراني ويحذره من استمرار محاولات إختراق الحدود بالقوة من هذه الميلشيات الإرهابية، في تفسير سياسي يعكس أن الأردن يدرك تماما من هو صاحب العلاقة في مسألة تهريب المخدرات وقد رد الأردن بعدها بدك معاقل هذه الميليشيات واغتيال عددٍ من قادتها.
ولا تزال الأردن تخوض حربها على المخدرات نيابة عن العالم ، فبعض التقارير تشير إلى أن شبكة التهريب تعمل على تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن وصولًا لدول عربية مجاورة وحتى لمناطق مختلفة من العالم بحسب ما نشرت بعض المصادر الاميركية والأوروبية .
ثانيًا: المشروع الصهيوني الكبير.
في العام 1948 وعند اجتماع المجلس التشريعي الأول في إسرائيل، كان من ضمن مهام هذا المجلس إقرار دستور دولتهم المزعومة، إلا أن هذا ما لم يحدث، وبقيت إسرائيل إلى اليوم تعمل دون دستور، وهذا سببه عدم رغبة من المشروع الصهيوني لتحديد ورسم حدود دولتهم بشكل واضح ذلك لأن المشروع الصهيوني يقوم على فكرة التوسع المستمر ويشمل ذلك الأردن بكل تأكيد، وهذا ما يوضح ببساطة الأطماع الصهيونية في أرضنا، واليوم مع صعود اليمين الصهيوني المتطرف وشن الحرب الشاملة الواسعة على قطاع غزة المحاصر، يتصاعد خطر تهجير سكان الضفة إلى الأردن، وسعي إسرائيل الحثيث لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وقد كان الرد الأردني مبكرًا على لسان وزير الخارجية د.أيمن الصفدي والذي نلخصه في أن "أيَّ محاولة تهجير نحو الأراضي الأردنية هي بمثابة إعلان الحرب".
ثالثًا: المشروع الإيراني..
منذ بداية الحرب على غزة، سعت بعض التنظيمات المسلحة المحسوبة على إيران في العراق، أن تتظاهر عند الحدود الأردنية مطالبة بفتح الأردن حدوده لها لتحارب إسرائيل، في مسعى واضح لتهديد الأمن في الأردن، وأن الأردن هدف واضح لهم، وقد تأكد ذلك بعد إصرار إيراني على الرد على تفجير القنصلية الإيرانية بدمشق عبر أجواء الأردن، محاولة توريط الأردن والعبث بأمنه، ويستمر هذا المسعى بدون توقف، حيث تحاول إيران أن ترفع شعار القضية الفلسطينية كقميص عثمان، وتستغل ما يجري في فلسطين لأن تهدد به استقرارنا وأمننا.
ولا يمكن إغفال المشروع التركي، والذي بدأ بإستخدام أدواته الإعلامية للهجوم على الأردن سواءًا بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي جملة هذه المشاريع والتهديدات والتحديات المتتابعة والمتلاحقة يقف الأردن صامدًا وعنيدًا كما كان دائمًا، وفي ضوء ذلك أرى أن علينا اليوم تمتين جبهتنا الداخلية والعمل على رفع الوعي بتحديات دولتنا من خلال زيادة الشفافية والانفتاح على المجتمع وردم الهوة بين الاعلام الرسمي والمواطن ، وأنا لا أجد مجالا للشك أن الشعب الأردني دائما يقف مع مصالح دولته الاستراتيجية العليا ولا يترك من جهده شيئا ليكون جزءا من حلم أردننا الذي نريده .
وعلينا في الأحزاب الوطنية اليوم إتخاذ المواقف السياسية الحاسمة التي لا تراعي إلا مصلحة شعبنا ووطننا وأن نضع الأردن أولا وثانيا وأخيرا في صلب الاهتمام وأن لا نغامر بالأردن من اجل شعبويات وعواطف فارغة، فالمعركة التي يخوضها الأردن على جميع الصعد وفي كل المستويات هي معركة وجودية ولا تحتمل منا المساومة على مكاسب آنية ضيقة أو العبث في لحمتنا الوطنية الراسخة لاستدرار مشاعر الناس وعواطفهم .
مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/25 الساعة 19:59