لماذا إعلان موت الأونروا وإنهاء حالة اللجوء؟
نشرت الفورن بوليسي ( Foreign policy) في مقالة لها بعنوان " ترامب وحلفاؤه يسعون إلى إنهاء حالة اللجوء لملايين الفلسطينيين" تسريبات لرسائل البريد الإلكتروني الموجهة من كوشنر لبعض الشخصيات الأمريكية يشرح فيها ضرورة إنهاء وجود الأونروا واصفا إياها بالفساد ومعاداة إسرائيل، تزامنا إلى تجهيزات تجري الآن في الكونغرس لتمرير قوانين بخصوص وقف تمويل المنظمة بالكامل مع العلم أن تحويلات واشنطن لها انخفضت في هذا العام من 125 مليون إلى 65 مليون دولار، وقانون آخر يسعى إلى عدم القبول بتوريث صفة اللجوء للفلسطينيين أو الاعتراف بها واقتصار هذه الصفة على الجيل الأول منهم فقط من دون الأبناء والأحفاد.
الرسالة الأولى لكل هذه التسريبات والأخبار هي تصفية قضية اللاجئين وحق العودة أو التعويض وسحبها عن طاولة المفاوضات أو النقاش لا حل مقترح في المستقبل، أما الرسالة الأعمق فهي أننا أمام سلام يتم بالتقسيط بفرض علينا خطوة بخطوة .
المتابع للأحداث سيلاحظ ثلاث حركات محورية تمت منذ بداية العام، بداية قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الذي يحمل اعترافا ضمنيا بكونها عاصمة شرعية لإسرائيل بالمطلق عن أي محادثات سلام تمت أو ستتم، أما الحركة الثانية فهي قانون يهودية الدولة بتفاصيله المثيرة للجدل وتاريخية الطويل الذي حسم فجأة وردة الفعل الغاضبة الذي ولدها في الغرب وحتى الداخل الإسرائيلي، الذين اتهموا تل أبيب بالتخلي عن ديمقراطيتها لما اعتبرت مواطنيها من غير اليهود مواطنين من الدرجة الثانية لا يحق لهم التدخل أو المشاركة بقرارت الدولة المصيرية، أما الحركة الأخيرة فهي محاولات سحب صفة اللجوء وحق العودة أو التعويض.
هذه المشاهد ترسم مع بعضها تطبيق حل أحادي الجانب إذ لم ينجح فرضه عليها من قبل إسرائيل وحلفائها، فهي تتخذ التدابير اللازمة للقيام به ولكن بالتقسيط، من دون أن يلحظها أحد وتبث بالونات الاختبار هنا وهناك من خلال تسريبات صفقة القرن وغيرها، والواجب علينا هو قراءة هذه الخطوات إضافة إلى الواقع على الأرض حتى نعرف ماذا يدور في خلد تل أبيب وقادتها.
الأونروا في غزة وحدها تشغل 245 مدرسة لخدمة 232504 طالب، و 22 مركز صحي قامت بخدمة 4300137 مراجعة طبية خلال السنة الماضية ، ناهيك عن تقديم قروض مجموع قيمتها تصل إلى 124545603 منحتها لمليون وثلاثمئة ألف لاجئ تعترف بهم المنظمة في القطاع.
ومع تدهور الأحوال الاقتصادية في غزة والحصار المضروب عليها والفقر والبطالة وتدني مستوى المعيشة على عاتق من سيقع مساعدة كل هؤلاء عند انسحاب الأونروا، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم مقدرة حماس أو فتح من الاستفادة من المساعدات الأمريكية الإنسانية المباشرة، فالأولى تعتبرها واشنطن إرهابية والثانية داعمة للإرهاب لمساعدتها لأسر الشهداء.
والضفة ليست بحال أحسن، فبواقع 97 مدرسة و 42 مركز صحي ومجموع قروض بقيمة 135202694 دولار، هذا ما تقدمه الأونروا هناك، و زد على ذلك عشرات المستوطنات إلى تمزق الضفة وتمنع التواصل الجغرافي المباشر للناس أو حتى لسلطة فتح التى انحصرت عمليا في رام الله وبعض المراكز الرئيسية المحاصرة بقوات الاحتلال.
واقع ما سبق يفرض علينا استحالة جدية إسرائيل إزاء حل الدولتين وعدم إمكانيته على أرض الواقع نتيجة تعنت تل أبيب و مستوطناتها وجدارها وحواجزها، ويبقى السؤال لماذا إذن يحصل كل هذا؟ ما تريده تل أبيب هو سلام اقتصادي يوفر عليها تكلفة الحرب ويخصها بأرباح السلام بأرخص الأثمان السياسية وحتى الاقتصادية، فلا داعي لوجود دولة حقيقية للفلسطينيين إذا كان بالإمكان اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة أما مشكلة الديمغرافيا التي تتخوف منها إسرائيل فبسحب صفة اللجوء وما سبق من فصول قانون يهودية الدولة فقد حلت المشكلة ونالت أيضا الجائزة في تصدير أزمتها إلى الدول العربية المستضيفة لللاجئيين . ونهاية يبدو أننا ننتظر سلامًا بنكهة فرض الواقع الأحادي الجانب والضغوط الاقتصادية الثقيلة، سلامًا بطعم الاحتلال.