هل وصل الزيت
مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/17 الساعة 06:38
حين كنت طفلا, ياما عدت إلى الكرك... في سويعات العصر مع أهلي, وكان المذياع يصدح بصوت كوثر النشاشيبي, عبر برنامجها (رسائل شوق)... ما زلت أذكر صوتها الهادر وهي تقول: من أبو محمد وزوجته دلال إلى أبو القاسم في جبل التاج نخبركم بأن فاطمة قد تزوجت.. وطمأنونا هل وصلكم الزيت؟)... منذ ما يزيد عن الأربعين عاما والسؤال يطرق ذهني.. هل وصل الزيت؟..
يا ترى كم (تنكة) أرسلت دلال...؟ وما هي أخبار فطوم؟ لابد أن أولادها كبروا وبعضهم التحق بمصاف الشهداء وبعضهم غادر قباطيا وبعضهم استقر فيها.كنت أسأل نفسي لماذا لا تصلنا رسائل مثلما تصل (أبو قاسم)... مثلا لماذا لا تقول كوثر النشاشيبي: (من ابو حفيظ وأم حفيظ إلى ابناء العمومة في الكرك.. طمأنونا عنكم وما هي أخبار حورية.. وهل وصلت (النص ليرة) إلى إبننا عبدالهادي راجي).. كأن أقصى طموح لي أن أمتلك نصف دينار في تلك المرحلة... من هي حورية؟ لا أعرف ولكن لا بد من ذكرها في كل حلقة من حلقات رسائل شوق.أنا كل ما أريد معرفته بعد هذه السنوات العابثة المليئة بالدمع والأسى, بعد هذا العمر الذي ضاع بين الحلم والحلم.. كل ما أريد معرفته هو: هل وصل الزيت؟.. وهل وافقت دلال على إرساله... لابد أنها اعترضت على الكمية, لكن أبو محمد تدخل في الأمر وأخبرها بأن هناك ما يكفي (للمكدوس).رسائل شوق.. أريد أن أخبر كوثر النشاشيبي أنه لم تعد تصلنا رسائل شوق من فلسطين.. صار يصلني الشوق بحد ذاته, لقد تطور الأمر يا كوثر.. لم يعد أبو محمد يرسل الزيت.. وحورية التي تحضر في كل حلقة أوقفوها على الجسر وعادت...وحليمة هي الأخرى أجرت عملية المرارة بنجاح, والحج عبدالفتاح تبين أنه يعاني من (الفتاق) فقط وقرر اللجوء إلى الطب العربي... أريد أن أخبر كوثر أن فلسطين تجاوزت كل ذلك.. صارت تبعث لنا برسائل عن الهوية الشرسة المقاتلة.. صارت تبعث لنا كل صباح أسماء الشهداء الذين ارتقوا في المواجهات... صارت أيضا ترسل لنا ?حركات عسكرية وكمائن يخطط لها الشباب في الليل وينفذونها عند الصباح.. فلسطين صارت ترسل لنا العروبة, ودروس الصبر العظيم.. ومع كل صباح صارت ترسل أيضا معاني الثبات وكيف تنتصر إرادة المجرد من السلاح على عنجهية المدجج بالحديد والنار.فلسطين صارت ترسل لنا الأحلام كاملة, ولم تعد ترسل لي نصف حلم.. مثل النصف (ليرة) التي كنت أنتظرها, فلسطين حسابها في بنك الدم يسدد دفعة واحدة ولا يسدد بالتقسيط.رسائل شوق... فلسطين الان ترسل رسائلها من النار والصبر والقذائف والصمود... لم يعد هنالك من مجال للشوق أبدا..لكن ما يقض مضجعي أن حلمي لم يتحقق ولم تأتني النصف (ليرة) من أبو محمد وزوجته دلال.., ولم أعرف للان هل وصل الزيت, أخاف أن يكون الإحتلال قد صادره على الحدود.. أخاف أن يكون سائق سرفيس الجسر قد تاه في العنوان وعاد إلى منزله دون أن يوصله... أخاف أن يكون قد تعرض لحادث ما وانسكب الزيت على الطريق..منذ أكثر من أربعين عاما وقلبي يسألني يا فلسطين.. هل وصل الزيت؟.لا أعرف لكن جذور الزيتون في نابلس امتدت لحواف قلبي بدلا من الشرايين..وهاهو يضخ الزيت بدلا من الدم.. ومع ذلك يظل السؤال يطرق رأسي كلما جاء ذكر فلسطين في الأخبار... يا ترى هل وصل الزيت؟..
مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/17 الساعة 06:38