جودة يكتب: نحن نقتل الورود

محمد جودة
مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/08 الساعة 10:26
أنا اعشق الورود والازهار واحب رائحة الياسمين التي تفوح من حديقتي صباح مساء وادلل ورودي الحمراء واشم رائحتها واضع انفي في قلبها علني آخذ كل ما لديها من عطر و ابقيه في انفي واتنفس منه طيلة اليوم..
وضعت بعض القوارير مزروعاً فيها زهور ملونة مختلفة امام مدخل البيت لتزينه ولترحب بالضيف اياً كان بألوانها الزاهية, وضعتها هناك حتى احجب العبارة التي فتحتها الامانة او البلدية لتيسر سير مياه الامطار في الارض المحاذية لنا ولكن للاسف لم يتم تغطيتها او صندقتها كما يسمونها هم اي وضع انابيب اسمنتية كبيرة ثم طمها واعادة منظر الارض كما كانت لانها الان وهي مكشوفة تكون وكرا للنفايات ومكرهة صحية نحن وسكان الحي في غنى عنها وبخاصة في الصيف ولقد تقدمنا وطلبنا وحكينا وكل واحد يرمي الموضوع لغيره ولا نستطيع الوصول لمن هو صاحب القرار في (صندقة العبارة).

كنت عائداً الى البيت من مشوار تسوق وكانت ساعة خروج الطلاب من المدارس فرأيت ما لم اتمنَ ابدا ان اراه... ثلاثة اولاد بحدود ثلاث عشرة سنة , احدهم يرفع اناء الزهور ويرمي به في العبارة بشدة ليكسره ويلحقه بالقوار السابق ويهم اخر بأخذ اناء اخر لرفعه.. فاوقفت السيارة ونزلت مسرعا وصرخت يا ابني ماذا تفعل؟! وصورتهم بسرعة.. فجفلوا و مسمروا مكانهم .. فقلت لهم الان بعد ان قتلتم ورودي لكم الخيار: اما ان تأتوا معي الى مدير مدرستكم ونقص عليه ما حدث واما (انده) لكم الشرطة لتأخذكم الى سجن الاحداث واما نذهب الى بيوتكم ونخبر اهاليكم بما فعلتم... لم اكن اريد حقا ان افعل اياً من الخيارات لكن اردت ان اسمع ردة فعلهم.. اسفين عمو والله اسفين الله يخليك بلاش الثلاثة خيارات مصايب .. طيب ليش عملتوا هيك؟ والله ياعمو اننا طاقين راح نفقع لا ملعب ولا حديقة ولا العاب ولا اي نشاط هيك شايف منلعب كورة في الشارع اللي صار كله سيارات ومش عارفين نتهنى على مباراة ما انت بتشوفنا.. بدنا ننفس عن طاقتنا صرنا نتفشش في ايش ما كان مش بس زهورك.. يعني اجت علي انا وعلى ورداتي تفرغوا فيها طاقتكم ؟! .. تعالوا نشوف مين السبب؟ مين اللي خلاكم تقتلوا الورود؟
عندما جئنا وبنينا بيتنا في هذا الحي قبل عشرين سنة كانت تحيط بنا الاشجار من كل مكان.. تين.. توت.. زيتون .. بامية و ملوخية.. اغنام وحلال.. هواء منعش وجيران رائعين يأتوننا كل يوم من خيرات الارض والانعام.. الله يسهل عليهم .. كنت أيامها اعيش بين ايطاليا والاردن.. في الغربة والتي بقيت فيها خمسين سنة وتعلمت منها الكثير الكثير على حساب صحتي وكنت كل مرة اعود الى الوطن اشعر بأن احد ما قد اقتضم لقمة مما يحيط بنا .. قلعت بعض الشجار واختفت مساحات من الاراضي و كنت اثق بأن هناك من يخطط تخطيطا يليما لامتداد المدن والاحياء بحيث يحافظ على التوازن البيئي والمعيشي .. نسبة للاسكان, نسبة للاراضي الزراعية, نسبة للنشاطات الرياضية , نسبة للحدائق كمصدر للاكسجين وللهواء النقي لتبديل ما تنتجه السيارات من غازات ضارة, وكمنفس لكبار السن و للصغارو لمكان لممارسة رياضة المشي حرسا على صحة وسعادة من يسكن في الحي.
اختفى كل شيء .. لم يعد هناك توت او تين او غيره واليوم ترى ماتبقى من مزرعة زيتون و بكرة جرافة في خلال دقائق تحيلها الى ساحة فارغة جاهزة لتمزيقها و حفرها واقامة عمارة اسكانية اخرى عليها الهواء اصبح ملوث والنفايات في كل مكان وان وجدت ارض لسة فاضية لا يتركوها للاولاد نظيفة ليلعبوا فيها بل يملؤها من يريد بما هب ودب من نفايات و مخلفات بناء بصورة عشوائية وبدون رقيب ولا حسيب. وتمتلئ الارض بالشوك والنفايات حتى يمن الله علسها بمشتري ينظفها ليبني عليها اخر البنايات السكنية.. وبهذا نكون بتقصيرنا في التخطيط السليم وعدم اكتراثنا بصحة المواطن والارض والبيئة, نكون قد قتلنا اخر شجرة ورد موجودة.
التوسع العمراني غير المنظم، والذي لا يأخذ بعين الاعتبار المناطق المخصصة للحدائق العامة والملاعب الرياضية، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم مشكلات مثل تلوث الهواء، الضجيج، والازدحام. هذه العوامل مجتمعة تؤثر سلبًا على الرفاهية النفسية والصحية للسكان وترفع مستوى النرفزة عند الصغار فتجدهم (يتفششون) في اي شيء امامهم ويقومون بتخريب كل شيء وتكسير ما يروه امامهم .. حتى قواوير الورود.. ربما هذا انتقام او لفت نظر من الكبار الذين سرقوا طفولتهم بأخذ مساحاتهم في الحيا و تركوا لهم مساحة تكفي لهاتف موبيل يكون المنفذ الوحيد لاحلامهم.
فلننقذ اولادنا ونعيد لهم حياتهم ومساحاتهم ليركضوا ويلعبوا ويفرحوا ويفرحونا ايضا , بإعادة النظر والتفكير في كيفية تخطيط وتصميم الأحياء السكنية، بحيث تشمل مساحات خضراء وترفيهية كافية تسمح للسكان بالتمتع بنوعية حياة أفضل. ونؤكد على أهمية توفير هذه المساحات للأطفال والشباب للعب وممارسة الرياضة، مما يساهم في تعزيز الصحة الجسدية والنفسية وتطوير روح الفريق. كما اشدد على الدور الحيوي للأشجار في تنقية الهواء وخلق بيئة أكثر استدامة وصحة للجميع.
على فكرة .. اصبح الاولاد الثلاثة اصحابي وتعلموا كيف يعتنون بالورودوعدة مرات حين مرورهم عند الخروج من المدرسة رأيتهم يسقون الزهور امام بيتي..




مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/08 الساعة 10:26